كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
..نعم: بهجة الدنيا لا تدوم لأحد ولا لأي إنسان مهما بلغ من المكانة علواً وجاهاً ومالاً، وإن حاول استدامتها وتطويعها حسب إرادته، فإن الأمر لله، فالأيام تمر به سراعاً وتطويه العقود الزمنية وتُناديه أن حان حطُ رحالك في باطن الأرض، فكل ذلك بمشيئة الحي القيوم، فبينما كان الأخ العزيز عبدالرحمن بن حمد القضيب - أبو حمد- يتمتع بكامل صحته، ويسير مغتبطاً بين أسرته ومعارفه إذا هو يفاجأ بعارض صحي ألزمه الفراش، وظل متنقلاً بين منزله وبين المصحات شهوراً طويلة... أعييت الحيل أطباءه، حتى أسلم روحه لبارئها مساء يوم الأربعاء 28-6-1434هـ مأسوفاً على رحيله وغيابه عن أهله ومحبيه..، وقد أديت عليه الصلاة بعد صلاة ظهر يوم الخميس 29-6-1434هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، ثم حمل إلى مقبرة (صفية) بحريملاء مهوى رأسه ومرتع صباه:
مُجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار هُمدا!
ولقد ولد بمدينة حريملاء في أواسط الخمسينيات، وباكره اليتم هو وشقيقه سليمان وشقيقاته، فتولى رعايتهم عمهم ناصر بن سليمان الذي لم يألو جهداً في إسعادهم، وعمه الفاضل الشيخ عبدالله بن قضيب بن عبدالرحمن - رحمه الله- الذي ساواهم بأبنائه طيلة طفولتهم .. مما خفف عنهم وطأة اليتم وحرمانهم من حنان الأبوة - عظم الله أجرهما - وعند بلوغه سن السابعة التحق كغيره بإحدى الكتاب لتحفيظ القرآن الكريم، ثم درس بالمرحلة الابتدائية بحريملاء، وحينما حسن خطه وتجاوز سن الطفولة فكر في مزاولة عمل لبناء مستقبله معتمداً على الله، ثم على نفسه وحده:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
لأن الخط - آنذاك - يُعتبر أكبر مؤهل لمزاولة الأعمال الكتابية، فلم ير بداً من السفر إلى المنطقة الشرقية لتوفر مصادر الرزق والأعمال الوظيفية، مُلفِياً على معالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عدوان مدير المالية، وممثلاً للدولة السعودية لدى شركة أرامكو - آنذاك - رحمه الله، فرحب به لظروفه رغم صغر سنه، كما هي عادته مع كل شاب سعودي يفد إلى المنطقة، فأحاله إلى مدير مكتبه الشيخ الفاضل حمد بن علي المبارك - والد المغتربين هناك، لتوظيفه فعين كاتباً، وكان في استقباله وإرشاده بكل شيء يهمه عملياً واجتماعياً الأخ الكريم عبدالله بن عبدالعزيز الصالح - رحمه الله - أحد موظفي المكتب الخاص لمعالي الشيخ عبدالله، مما خفف عنه وحشة الغربة هناك، وعندما انتقل الشيخ عبدالله بن عدوان وزيراً للمالية صحبه إلى جدة فترة من الزمن، ثم انتقل إلى مصلحة التقاعد، بعد ذلك انتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وأخيراً عمل في الشؤون الخاصة بديوان ولي العهد الملك فهد بن عبدالعزيز- آنذاك - حتى تقاعد - تغمد الله الجميع بواسع رحمته - وكان طيلة أعماله متعددة المواقع محبوباً لدى رؤسائه وزملائه، كما أنه واصل لرحمه ومحبي والديه هو وشقيقه (أبو هيثم) العميد المتقاعد الأخ الشهم سليمان بن حمد باذلاً جاهه وماله لمن يحتاج إليه، ولقد أجاد الشاعر طَرَفه بن العبد:
لعمرك مالأيام إلا معارة
فما اسطعت من معروفها فتزود
وقد خلف ذرية صالحة خمسة من البنين وعدد من البنات وزوجتين صالحتين - تغمده الله بواسع رحمته - وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان.
- حريملاء 1-7-1434هـ فاكس 015260802