قبل عدة سنوات أزعجنا قط بكثرة زيارته لنا في البيت، استدرجته يوماً إلى داخل القفص. وبمجرد دخوله القفص بدأ في الجري جيئة وذهاباً بحثاً عن مخرج، وفي ثوان قليلة بدأت الدماء تنزف من أنفه وفمه بسبب اصطدامه العنيف بجدران القفص، بدا لي أن هذا القط قد أصابه مس من الجن، خصوصاً بعد أن شاهدت القفص يهتز بعنف. أخذت القفص بعيداً وفتحت بابه لينطلق القط كالسهم باحثاً عن حريته التي فقدها مؤقتاً، ذهب القط ليقفز من جدار إلى جدار ومن شجرة إلى أخرى ومن برميل نفاية إلى آخر، لسان حال هذا القط يقول: ما أجمل الحرية.
في المقابل وقبل سنوات طلبت مني طفلتي أن أشتري لها (قط)، وعند (بائع القطط) شاهدنا قطاً ممتلئا غزير وناعم الشعر، يبدو عليه أثر النعمة. فتح البائع باب القفص، لكن القط لم يخرج، أدخل البائع يده وسحب القط، كان هذا القط هادئاً مطاطئ الرأس لا ينظر أبعد من سنتميترات حوله، وبمجرد أن أرخى البائع يده عن القط انسل بسرعة وعاد إلى قفصه، في هذا القفص ينعم القط بألذ الطعام والشراب دون ان يبذل أي جهد ودون ان يضايقه أحد، وهو يري ان هذه النعمة تستحق لأن يفقد من أجلها حريته.
التعليم الجيد يعلم الفرد كيف يكون حراً، أي معتمدا على ذاته، يمارس أرقى أنواع التفكير العقلاني، ولا يعير عقله لأحد، ويتعرف في مناخ تربوي يحترم إنسانيته على ما له من حقوق وما عليه من واجبات لوطنه.
أستاذ التربية بجامعة الملك سعود