مرت عقود على تدريبات العنف الأولى وبداية تشكيل التنظيمات الجهادية وفصائلها في العصر الحديث، ثم سنوات بعد تفجيرات نيويورك وتبعتها، زمن طويل و لم يتوقف العنف والقتل، وإن كان يخبو أحيانا في أحسن الحالات، ثم يتشكل ويتلون أحيانا أخرى، ليعود ضاربا بأدوات جديدة بشرية وتقنية كل مرة!
ومن يشك للحظة أو يتوقع توقف العنف وإلارهاب، أو حتى الرد والتبرير له ولرموزه وثقافته في المدى المنظور عليه أن يعيد التفكير بجدية، أو يعيد تقويم قواه العقلية، أي نهاية محتملة للإرهاب غير واردة على الأقل في مرحلة حياتنا ولجيل لاحق على أقل تقدير.
هناك بنية قوية فكرية ودينية متطرفة ومادية وتنفيذية أيضا، ومصالح سرطانية معقدة، وهناك وقود لا ينضب من نفوس محبطة ومحطمة وأخرى جاهلة (مضحوك عليها بسخيف القول) أو فقيرة (تستغل حاجتها وجوعها وسخطها)، أو كلاهما معا.
لكن يبقى تحليلا عاما، إلا أن المؤسف الذي لا سبيل لنا لإنكاره أبداً، أو تغطية وضوحه أيضاً، إن ما حدث ويحدث باستمرار من عنف وإرهاب من أفراد وتنظيمات غالباً ما يكون له صلة بالإسلام أو بدول إسلامية بروابط عدة مباشرة في الغالب، أو غير مباشرة أحياناً لكنها شديدة الارتباط بهذه البنية.
وأي إحصائية محايدة ومحترمة ستكتشف أن الأفراد أو المنظمات بالصبغة الإسلامية لهم الحظ الأوفر والمطلق في كل عملية توجه ضد شعوب العالم والمدنيين مهما كان التعليل..! لا تعرف بالتحديد هل نحن أمام حالة إنكار طويلة الأمد، بل مستمرة تجعل الكثيرين منا يعيدون التبرير والشرح لإنكار هذه الحقائق غير السعيدة، ويبتعدون تماماً عن الاعتراف بها ومواجهتها.
ويأتي في المقدمة علماء الدين وطلاب علمه، ومؤسساته التقليدية، بل وبغض المفكرين -المجاملين- حيث يعد بسط الحقائق هجوما موجها ضدهم وضد عجز الغالبية منهم للتأثير وتغير الحال.
مع أن المطلوب أبعد من ذلك إلى احداث ثورة حقيقية في البنية الثقافية لنكون حضارة إنسانية فعالة وشريكة في هذا الكون لا مدمرين له ولأنفسنا.
وبدلا من توجيه الطاقات الفكرية الدينية لاجتثاث العنف من الثقافة الإسلامية الذي أصبح سمة مرتبطة به في عالم اليوم يتفرغ الدعاة الوعاظ للتبرير والنفاق الاجتماعي المدمر، بل وممارسة دور الضحية أحياناً، في أنانية تاريخية جبانة وضارة ولا مسئولة.
قد نفهم التصريحات السياسية التي تسارع - فوراً إلى تحييد الإسلام من أعمال العنف، وهي تصاريح سياسية وتكتيكية بامتياز من أجل حصر المعركة أو المواجهة مع المنفذين - الفاعلين - فقط، لكنه في الحوارات التحليلية العميقة تدرك البعد الثقافي الحضاري والاقتصادي التنموي خلف بنية التخلف والعنف!
صحيح أن العنف جزء من الطبيعة الإنسانية غير السوية، لكن أن يشرع وينظم على الطريقة التي تتبناها التنظيمات الإسلامية المسلحة - سنية أو شيعية -، هذا أمر يجعل الصورة قاتمة، ويعطل أي نظرة تفاؤلية باختفائه.
الأمل هو في محاصرته جغرافياً والحد من انتشاره عبر جهد عالمي يقترب في التكاتف والتحري من (الحد من انتشار الأسلحة النووية) وفي نشر ثقافة مضادة تشبه الطريقة الدولية في دعم وبث (حقوق الإنسان)!
الطريق طويل والمخاطر كبيرة والمنطقة العربية تعيش مرحلة صعبة جداً، وقد نصل بالصورة إلى الحلقة النهاية في حماية دول لها استقرار أمني ولديها برامج اقتصادية وتنموية - دول الخليج مثلاً- إلى بناء جدران حديدية حول حدودها للحد من عودة أو إعادة تهريب العنف وأدواته.
لكن ذلك لن يعفيها من الاستمرار في تفكيك جاد لثقافة العنف واجتثاثها من أصولها العتيقة.. فالطريق طويل والمخاطر عظيمة.. ولن يتحقق شيء دون الاعتراف بالواقع كما هو لا كما نود أن نراه، فالإرهاب، العنف، القتل يعود مجدداً في أمريكا وإفريقيا وأوربا والشرق الأوسط بغالبيته وآسيا، والفاعل أو الفاعلين والممولين والمنظمين والمدربين والمؤهلين والمجندين والمشجعين يحدث أنهم مسلمون دائماً؟!
على الأقل لنسأل لماذا؟!