* عمّ الفرح والسرور؛ سكان العاصمتين الدينية والسياحية.. (مكة المكرمة) و(الطائف)، فقد تجددت آمالهم بتنفيذ (مشروع نفق الملك عبدالله بن عبدالعزيز)، الذي سوف يربط بين المدينتين الكبيرتين بطول 11 كم تحت جبل الهدا، وتتقلص المسافة إلى أقل من خمسين كيلاً بين الطائف والحرم المكي.
* سمو الأمير سلمان -حفظه الله-، طلب من محافظ الطائف في لقاء بمكة المكرمة قبل أسبوع، تقريراً مفصلاً عن المشروع لعرضه على مجلس الوزراء في أقرب فرصة، ووعد سموه بدعم الفكرة، وهذا ما يوجب علينا شكر الأمير سلمان، وتحيته على هذه البادرة الدالة على حرصه وتجاوبه مع مطالب المواطنين، وخاصة المرتادين للأماكن المقدسة.
* ما أشبه الليلة بالبارحة..! قرأت هذه التصريحات المبهجة في هذا العهد الزاهر عهد عبدالله بن عبدالعزيز؛ وتذكرت كيف تمت ولادة فكرة شق جبل كرا قبل ستة عقود تقريباً، لقد خرجت الفكرة من مجلس الوزراء بصوت واحد مرجح، هو صوت فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله-، فهل تخرج فكرة شق النفق بصوت سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-..؟.
* في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الهجري الفارط؛ كان الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وهو آنذاك نائباً لوالده على الحجاز؛ ثم أميراً عليها.. كان يتردد على جبل كرا.. الجبل العظيم الذي كان حاجزاً بين مكة المكرمة والطائف. كان رحمه الله يأتي إلى قمة الجبل من الطائف، ويقف متأملاً جبروت هذا الجبل، ويأتي إليه من جهة نعمان إلى الكر، فيتطلع إلى قمته، وهو يبحث عن طريقة تكسر عنفوانه، وتهزم جبروته، وتحيله من جبل أشم، إلى سهل وطريق للعبور، كيف لا؛ وهذا وصف هذا الجبل عند الشاعر الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي رحمه الله:
كأن (كراء) في عتو (سنامه)
على (هامه) الأفلاك تجري وتلهث
كأن روابي الأرض نيطت جميعها
إلى سفحه! وهو الإباء المورث
* ما إن رأس رحمه الله رئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك سعود -رحمه الله-، حتى طرحت فكرة شق طريق عبر جبل كرا على أعضاء المجلس للنقاش. كان عدد الوزراء في جلسة الحسم هذه؛ أربعة عشر وزيراً، اختار سبعة منهم التصويت بالموافقة، واختار سبعة آخرون التصويت بعدم الموافقة، ثم جاء صوت رئيس المجلس -فيصل بن عبدالعزيز- مرجحاً بالموافقة، فبدأ العمل بالمشروع العملاق في النصف الثاني من السبعينيات الهجرية، وتشاء الصدف؛ أن يكون افتتاح المشروع؛ على يد صاحب الفكرة ومهندسها ومرجح فكرتها في مجلس الوزراء، ملك المملكة العربية السعودية آنذاك، الملك فيصل بن عبدالعزيز عام 1385هـ، وفي حفل الافتتاح، حضر الشعر بالشعور؛ في قصيدة للشاعر محمد بن حسين الفعر الشريف؛ الذي قال مجسداً الفرحة بهذا الإنجاز:
عيد لنا وفضيلة وسرور
في عصر هذا اليوم حيث تزور
ما سار ركبك للهَدا متوجهاً
إلا قلوب الناس معْه تسير
.. إلى أن يقول:
ما قلتُ زوراً أو فجوراً أبتغي
فيه الجزاء وما أنا مأجور
فهي الحقيقة لست عنها غافلاً
وهي الحقيقة والشهود كثير
لو تسألون كرا لخبركم بها
كم فيه هُدت هضبة وصخور
أو تسألوا بطحاء مكة ما جرى
فيها لأفصح بيتها المعمور
* فكرة تذليل جبل كرا الطود العظيم، وتحويله من عقبة كأداء، إلى ممر عبور بين عاصمتين -دينية وصيفية- فكرة نهضوية وعبقرية، تحسب للملك فيصل رحمه الله، ومشروع فريد وجبار قلّ نظيره في المنطقة، يحسب للدولة السعودية، التي ظلت تسعى لخدمة أبنائها على كافة الميادين، وتذلل كافة الصعاب أمام حركتهم بين مناطقهم ومدنهم، وتيسر على الحجاج والمعتمرين، سبل الوصول إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
* نهض طريق جبل كرا طيلة نصف قرن، بدور بارز في الحركة بين مكة والطائف؛ التي هي بوابة الحرمين الشرقية، وخضع بعد ذلك، وتحديداً قبل عامين تقريباً، لعملية توسعة كبيرة، جاءت مكملة لدوره في تسهيل الحركة واختصار المسافة والوقت بين مكة والطائف، إلا أن عمليات التكسير والتفجير في جسم الجبل، أصابته بالرخاوة والهشاشة -هشاشة الصخر- وظهرت صخوره في أماكنها العلوية، وكأنها تتحفز للسقوط بشكل دائم، حتى إذا جاءت الأمطار، وسالت شعاب الجبل، سحبت معها أرتالاً من الحجارة والأتربة، وشكلت خطورة بالغة على حياة الناس والمارة، وقد مرت بنا هذه الحالة أكثر من مرتين بعد افتتاح مرحلة التوسعة، وها نحن نعاني من قفله ومن خطورته التي تحول الحركة عنه إلى طريق السيل، الذي هو الآخر لم يعد مجدياً أمام كثافة الحركة بين مكة والطائف، فالطائف بوابة جنوب المملكة وشرقها، والمعاناة من طريق السيل لا توصف، وإذا لم تكن هناك طريقة ناجعة لتثبيت صخور كرا، فإن الخطر سيظل قائماً، وسوف نشهد وقفاً للحركة على طريق جبل كرا، كلما تعرض للأمطار، أو يتعرض المارة لخسائر بشرية ومادية فادحة.
* ليس من حل جذري لهذه المعضلة، إلا الإسراع بشق النفق المقترح بين الطائف والكُرّ تحت جبل كرا والهدا.. لا يزيد طول هذا النفق على 11 كم، وهو يقلص المسافة بين مكة المكرمة والطائف من 86 كيلاً إلى 46 كيلاً، ويختصر الزمن من ساعة إلى نصف ساعة تقريباً، ويقرب بين القريتين التاريخيتين (مكة والطائف)، لتصبحا في منطقة حضرية واحدة تقريباً، ويتحول طريق جبل كرا، إلى طريق سياحي لمنتجع الهدا، الذي هو اليوم بمثابة مدينة رديفة للطائف. ألم يربط القرآن الكريم بين هاتين القريتين في آية واحدة..؟ قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
* إن الدولة -رعاها الله- بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هي الوحيدة القادرة على تبني هذا المشروع الرائد في هذا الوقت، فالحاجة ماسة لشق هذا النفق، الذي لا يقل قيمة وأهمية عن مشروع فتح طريق جبل كرا قبل نصف قرن، إلى جانب الإسراع بفتح عقبة الثنية (يعرج)، التي لا يتعدى طولها 7 كم بين الجبل ووادي نعمان، وكنا كتبنا مرات عدة، ورجونا وزارة النقل اعتماد هذا الحل السهل السريع، ولكن لا صدى عند هذه الوزارة لما طالبنا به وكتبنا من قبل، حتى أصبحنا في مأزق حقيقي مع طريق جبل كرا.
H.salmi@al-jazirah.com.saassahmhm@gmail.com