كانت طبيعة عملي في فترة سابقة تتطلب التعامل المباشر مع الضيوف الذين يفدون إلى المملكة لطلب العلم في جامعة الملك سعود، وكان معظم هؤلاء من الدول الإسلامية، والصديقة، وخصوصاً من قارتي آسيا وإفريقيا، الذين يتم اختيارهم بعناية فائقة. واكتشفتُ بحكم احتكاكي المباشر مع هؤلاء الطلاب المميزين أن معظمهم يصاب بخيبة أمل كبيرة؛ إذ إنهم يأتون إلى هنا يملؤهم الحماس، والأمل بلقاء علماء ومشايخ، لطالما تمنوا لقاءهم، ثم يكتشفون أن بعض هؤلاء يتعامل معهم بطريقة دونية، ولطالما اشتكى بعضهم من أسماء بعينها تتعامل معهم بكبرياء. وللأسف، إن هؤلاء «المتكبرين» يسيئون لسمعة الأغلبية الرائعة من مشايخنا الفضلاء، الذين يتمثلون الهدي النبوي في حسن التعامل، والتواضع مع المخالف، ناهيك عن الأخ المسلم.
تذكرت هؤلاء الطلاب، الذين أعتز بهم، وأتواصل معهم حتى اليوم، عندما قرأت تغريدة لأحد طلاب العلم هنا، التي تحدث فيها عمن أسماهم «العوام»؛ إذ شكك في قدراتهم العقلية، والعلمية! وهذا احتقار لا يليق بمن هو مثله، وإن كان هذا السلوك غير مستغرب عليه؛ فالذين يعرفونه يتحدثون عن كبريائه، واحتقاره للآخر، ونعني بالآخر هنا الأخ المسلم، لا المختلف في الدين، أو المذهب! وأستغرب حقاً من خطيب ورجل علم يخفى عليه حديث المصطفى عليه السلام، الذي أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي، ونصه: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم..». وقد أجمع العلماء على أن معنى «لا يحقره» هو «أن لا يستقله ويستصغره»، وأي استصغار لأخيك المسلم أكثر من أن تشكك في قدراته العقلية؟! ونحن نعلم أن بعض من يطلق عليهم «العوام» فيهم من الحكمة والحنكة ما لا يتوافر لحامل أعلى الشهادات العلمية.
هذه الحكاية عادت بذاكرتي بعيداً إلى سنوات الطفولة، وذلك عندما اقترح أحد جماعة مسجدنا على الإمام أن يفعل شيئاً معيناً، فما كان من الأخير إلا أن رمقه باستصغار، وقال «ما بقي إلا عامي يتدخل بشغلنا!»، وهي حكاية لا تزال حاضرة في ذهني حتى اليوم، ولا فرق بين إمام المسجد هذا وصاحب التغريدة؛ فكلاهما يمثل إرثاً ضخماً من الكبرياء، لا يجيزه الإسلام؛ ولذا نتمنى أن يكون هناك تمحيص فيمن يتولى شيئاً من أمر الناس، وخصوصا الخطابة والقضاء؛ فلا شيء يسيء لهذا الدين مثل تلك الإساءات التي تصدر من أهله؛ فهم لا يسيئون لأنفسهم فقط، بل للدين، وللأغلبية من المشايخ الفضلاء، الذين يتمثلون الهدي النبوي الشريف.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2