عجب صاحبُه حين عرف منه أنه لم يزر معرِض كتاب هذا العام سوى مرة يتيمة، وأنه لم يشترِ منه كتابًا واحدًا «من غير أن ينسى ما تلقاه من إهداءاتٍ مهمةٍ» عازمًا على تخصيصِ وقتٍ «إجباري» لقراءة بعضِ المتراكمِ في مكتبته الخاصة.
* رأى كثيرين مثلَه ممن ساءَهم ألَّا يجدوا في وقتهم ما ينفقونه لقراءة ما اقتنوه من المكتبات العامة والمعارض المتخصصة وأرففٍ ملأى بكتبٍ مهجورة، ومن يأنس بالكتب يدرك أنها كائناتٌ حية، تتنفسُ بأصابعنا، وتتواصل بأعيننا، وتسكن أذهانَنا؛ فتعتبُ حين نهجر، وتمتنُّ حين نذكر، وتتجددُ مع المتجدد الذي لم تُبلِه مواسمُ الجفاء؛ ليبقى الكتابُ صامتًا حين نصخب وهادئًا حيث نركض ومشاركًا وقت الانكفاء ومضيئًا إذ نتوهمُ الاكتفاء.
* استعاد مستقبلَ المكتبات المنزلية غيرَ المطمئن، وكان قد استغرب إهداءَ بعض الرموز مكتباتهم الخاصة لجهاتٍ علمية لتصوره تفريطَهم بحصيلة عُمرٍ من البحث والعناء، ثم أيقن أنهم قد أحسنوا صنعًا حين فعلوا؛ فقد سبقوا مرحلة تراجع الكتاب المطبوع وسط بدائل التقنية وإشغالاتها، وتمنى لو يتحقق حلمُ المراكز الثقافية العامة؛ ليمكن لمن شاء تقديمُ مكتباتهم إليها قبل أن تغيبَ بغياب رعاتها.
* الناسُ بأزمانهم - كما قالت العرب - أشبه منهم بآبائهم، والكتابُ مثلٌ عابرٌ على عمق التغييرِ غير العابر الذي نشهده؛ فتبدلُ العادة العصيَّة جزءٌ من تبدل المنظومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعرفية التي طالت الواقع، وحركت الوقائع، وبات التغييرُ السريعُ لغة الخطاب الممتد من الحرف إلى الحِرفة، ومن المال إلى المآل.
* لم يعد رأس المال المجردُ قادرًا على الفعل كما كان، وليس لوجوه التنمية الملامحُ التي حملتها طيلة تأريخها، ولا يعدو الكرسي الكبير والأكبرُ أن يكون شرفة يُطلُّ منها فردٌ عابر، ومن يستقرئ الآتي سيدرك أن التغيير العولمي الأشمل لمَّا يأتِ بعد.
* بين الإنسان بوصفه الرقمي والمؤسسة بطبيعتها التنظيمية يأخذ التغيير أمداءه بالرغم من المقاومة التي يشهدها بمعطياتها السلبية والإيجابية، وهو ما يضع العبءَ على معامِلَي الإدارة والتربية لحفظ التوازن المجتمعي خلال مراحل التبدل المتلونة.
* أذن لنا زمنُنا أن نختار أصدقاءَنا الحقيقيين، وجاء زمنٌ ساد فيه الأصدقاءُ الافتراضيون، وكانت بيوتُنا مغلقة فصارت دون أبواب، وكان الطفل يعيش براءته فأصبح كبيرًا ساعة يولد، وكانت المباحات معدودة فباتت ممدودة، وانتفى الممنوع أو كاد، وتطهَّر العيب أو أوشك، وحُجز المرضى النفسيون بالأمس فتحولوا اليوم إلى أطباء، وآمنَّا بالتخصص ثم صار الجميع ذوي شأوٍ ودلو، وكان المقدسُ محرَّم المَساس فلاكته أفواه وأقلام الناس.
* أسموه رياحًا، وهو كذلك مثلما هو لغة، وفيه لغو، لكن التغيير لا يتيحُ الانحناءَ أمامه أو السخرية به أو تجاهلَه أو تبطيئَه أو الاتكاءَ على مرحليته. وبعيدًا عن مُحركيه ومحرِّفيه ومداحيه وهجَّائيه فإنه يقود ذاتَه بذاتِه مراهنًا على الاستقبال الذي يجده من الأكثرين الذين لا يضيرُهم أن يفتحوا نوافذَهم كلَّ يومٍ لشمسٍ جديدة.
* التغييرُ لا يستأذن.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon