العبث هي كلمة مدمرة، ايا كان استخدامها، سواء العبث في الشخصيات او الرسميات، سواء ما هو لازم في حدود الشخص أم ما هو متعد على الاخرين.. ويتفاقم العبث عندما يتعدى لأشخاص كثر ربما أحيانا يتجاوز الآلاف وربما الملايين..

وكلمة «عبث» هي ثلاثة حروف، ولكنها تحمل معاني كبيرة وتبعات خطيرة على الشخص والاسرة والمؤسسة والمجتمع وربما الامة بشكل عام، فنحن نتعلم حروفها مع الابحديات كحروف متناثرة، وكل حرف له استقلاليته التي لا تضيف اي معنى بذاته، ولكن اجتماع هذه الحروف الثلاثة هي التي تعطي المعنى الخطير وتضيف تداعيات الواقع المرتبط به، وتجعل منه عملا لا يعرف الناس له مثيلا في تجسيد العبثيات على ارض الواقع، والتي يتولد منها خراب ودمار لا مثيل لهما.

العبث هو لغة غير مبررة في المجتمع فلا يفهمها احد ولا يتعلمها الا قلة قليلة من افراد المجتمع ولله الحمد، كما ان المجتمع يرفضها لغة واصطلاحا ويرفض كل اشكالها الظاهرة والباطنة، ويتمني شطبها لغة وتطبيقا حضورا وغيابا الآن ومستقبلا.. والعبث اجتماعيا هو اللعب والاستخفاف بالممتلكات العامة والعبث فيها خفية او تحت انظار المجتمع وافراده..

وهناك مستويات مختلفة للعبث، فمنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي وغير ذلك من المجالات، وحسب المجال يظهر المستوى، ولكن العبث السياسي يظل هو الاخطر من بين كل أشكال وانواع العبثيات. وفي رأيي أن العبث السياسي يهدد الكيان السياسي للدولة لأنه يتمادى في اللعب بمقدرات الوطن واللعب بثوابته السياسية، وهنا مكمن الخطورة.

وعادة في الشأن السياسي يرتبط العبث بقضايا وموضوعات تتعلق بالتخريب والتدمير والإرهاب. وقد يكون العبث متعمدا مقصودا يهدف مباشرة الى زعزعة الامن والاستقرار، وقد يكون غير مقصود ولكنه في نهاية المطاف يؤدي الى تبعات سياسية مهددة لامن واستقرار المجتمع.. فالعبث المقصود هو من يعمل على خلق الفتن واشعال حريق المجتمع، اما غير المقصود فهو نوع من التهور الذي قد لا يدرك الفرد ابعاده لحظات العبث، فهي طفرة آنية تتشبث بلحظة العبث دون استيعاب أبعادها المستقبلية التي قد تعبث باستحقاقات المواطنين والوطن، ولكنها في النهاية لن ترحم أحدا لو استغرق العبث ولم يتوقف.

العبث هو حالة نفسية غير متزنة تصيب صاحبها بعدم التوازن ولا تمنحه حالة الاستقرار النفسي، ويصبح يلهث وراء مظاهر الدمار والخراب من أجل أن يجد نفسه أمام مرآة العبث واقفا له امتداداته، متجذرا خلف كل اساليب وعروض المخالفات الاجتماعية. وعندما يطبع العبث شخصية صاحبه على أنه عابث، تصبح مخالب العبث وانياب اللامبالاة ممتدة ظاهرة أمام المجتمع ولا تهاب رادعا من القيم الاجتماعية التي قد تحول دون استشراء مظاهر العبث.. ويتحول الانسان الى شخصية عبثية تتحرك في كل اتجاهات العبث، وكل انحاء اللامبالاة وتدوس مثل هذه الشخصية على صغائر وكبائر المجتمع. ثم تتحول هذه الشخصية الى شخصية تنطق بالشر وتتداول منكرات الاعراف وتسلك طرق العبث دون أي مراعاة أو ذمة أو خوف أو تردد..

ان العبث المتعدي على الآخرين هو أقسى انواع العبث، لانه ينال من الاخرين، وعندما يكون هولاء الاخرون هم مؤسسات ومجتمع وأمة يصبح العبث على درجة عالية من الخطورة التي تهدد كيانات سياسية وتلاحمات قومية وعصب أممية، وتكون البداية هي من مستصغر الشرر الذي اطلقته حالات العبث الأولى التي كان افراد قلائل وراءها، ولم يدركوا آثارها، او يتوقعوا تبعاتها على الصعيد الشخصي او الوطني او الأممي.. والعبث عندما يتراكم تتضاعف آثاره، وعندما يقف العبث الى جانب عبث آخر وينمو العبث في المجتمع ويزداد ويتعالى فوق قيم المجتمع وثوابته الدينية والسياسية يصبح المجتمع مهددا بنوبات وتشنجات عبثية تحتاج الى جهود كل فئات المجتمع من اجل اقتلاع جذور العبث واستئصال آثاره، ومن ذلك العمل على معالجة الحالات النفسية التى تقود المجتمع الى اطياف عبثية تظهر بين وقت وآخر..