|
الجزيرة - (خاص) جون بروتون:
دبلن - إن احتياجات أوروبا ورغبات الأوروبيين على خلاف بين. ففي وقت حيث أصبح العمل المنسق القوي مطلوباً لتفادي الانهيار المالي في الاتحاد الأوروبي، بات الدعم الشعبي الذي دفع عملية التكامل الأوروبي على مدى العقود الستة الماضية في تضاؤل مستمر.
فبعد ما يقرب من سبعين عاماً من السلام، يبدو أن الأوروبيين نسوا لماذا كانت الوحدة في غاية الأهمية، فانغمسوا في المشاعر القومية دون اعتبار للعواقب المحتملة. ومن ناحية أخرى، فشلوا في إدراك حقيقة مفادها أن اقتصاداتهم مترابطة بشكل وثيق إلى الحد الذي يجعل من غير الممكن ملاحقة سياسات اقتصادية مستقلة ناجحة.
وترجع جذور هذا الفشل إلى تقييد السياسة الانتخابية بالدول الفرادى، الأمر الذي يفرض على الساسة التظاهر بأنهم قادرون على معالجة القضايا الاقتصادية بالاستعانة بالسياسات الوطنية وحدها. والواقع أن الساسة لا يواجهون أية ضغوط انتخابية لحملهم على ملاحقة العمل الأوسع نطاقا، حتى ولو كان ذلك من شأنه أن يجلب فوائد محلية.
والآن ترغم أزمة اليورو زعماء الاتحاد الأوروبي على معالجة التغييرات المؤسسية - أو على وجه التحديد إنشاء الاتحاد المصرفي والمالي والسياسي - التي كانوا حريصين دوماً على تأجيلها. ولكن في حين يتعين على البلدان الأعضاء أن تتفق بالإجماع على كل القرارات الأساسية، فإن تفويضاتهم تلزمهم بالنظر إلى قضايا الاتحاد الأوروبي من خلال منظور المصلحة الوطنية. وفي ظل سياسات حافة الهاوية والمساومات التي يشجعها هذا النهج يصبح من المستحيل تطوير الرؤى الشاملة لأوروبا وتقديمها إلى الناس.
ولعل هذه المشكلة تتجلى بأعظم قدر من الوضوح في المملكة المتحدة. فبرغم أن المملكة المتحدة ليست عضواً في منطقة اليورو، فإن تعاونها يشكل أهمية بالغة إذا كان لمؤسسات الاتحاد الأوروبي أن تستخدم لحل أزمة اليورو. ولكن بدلاً من عرض الدعم الذي يحتاج إليها شركاؤها الأوروبيين، تلاحق بريطانيا أجندتها الخاصة.
على سبيل المثال، من خلال رفض التوقيع على الميثاق المالي، الذي يفرض ضوابط أكثر صرامة على الإنفاق الوطني في منطقة اليورو، اضطرت المملكة المتحدة هذا الترتيب إلى العمل خارج آليات الاتحاد الأوروبي. والواقع أن الأساس المنطقي الذي قدمته المملكة المتحدة لرفضها - عدم وجود أي بروتوكول في المعاهدة يقضي بإعفاء القطاع المالي من قيود تنظيمية بعينها - يشير إلى إمكانية التوصل إلى نتائج مماثلة في المفاوضات المقبلة.
والواقع أن حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، كما أوضح هو ذاته مؤخرا، تسعى إلى إعادة التفاوض على شروط عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وإجراء استفتاء شعبي على النتيجة، التي من المحتمل أن تقرر ما إذا كانت المملكة المتحدة سوف تظل في الاتحاد الأوروبي. وفي حين تتمتع المملكة المتحدة بكامل الحرية في ترك الاتحاد الأوروبي، نظراً لكونه اتحاداً قائماً على معاهدة، فإن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر جسيمة.
في إطار الإعداد للتفاوض، يجري قادة المملكة المتحدة مراجعة شاملة لقوانين الاتحاد الأوروبي من أجل تحديد السلطات التي يمكن استردادها. وقد يخلف هذا تأثيراً إيجابياً، فيسلط الضوء على السلطات التي قد تتفق دول أعضاء أخرى على ضرورة إعادتها إلى الحكومات الوطنية.
والمشكلة هي أن المملكة المتحدة لديها مصلحة قوية في الحفاظ على القدرة الكاملة على الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي - تمثل منطقة اليورو نصف صادراتها من السلع والخدمات - ولكنها تبدو غير راغبة في الخضوع لأي التزام. ونتيجة لهذا، يبدو المسؤولون البريطانيون أكثر ميلاً إلى تقديم مقترحات تناسب المملكة المتحدة فقط، والتي من شأنها أن تمنحها ميزة غير عادلة. وهذا كفيل بعرقلة المفاوضات، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق الضرر بالدعم الشعبي لعضوية الاتحاد الأوروبي.
ومثلها كمثل كل الأسواق، فإن سوق الاتحاد الأوروبي المشتركة عبارة عن بناء سياسي يعتمد على قواعد وتنظيمات واتفاقيات مشتركة تهدف إلى تحقيق الاستقرار ودعم المصداقية. والعودة إلى سلطات وضع القواعد في الحكومات الوطنية والتي قد تستخدم لفرض معايير تهدف إلى استبعاد الآخرين من شأنها أن تعرض السوق بالكامل للخطر.
وعلى نحو مماثل فإن بعض التنظيمات - على سبيل المثال القواعد البيئية، ومعايير سلامة المنتجات، وفرض قوانين مكافحة الاحتكار - مطلوبة لضمان المنافسة العادلة. وقبل إجراء الاستفتاء، فيتعين على عامة الناس في المملكة المتحدة أن يفهموا أن مثل هذه الأمور من غير الممكن أن تعاد ببساطة إلى السلطات الوطنية.
وبعيداً عن العلاقات المدمرة مع الاتحاد الأوروبي، فإن تصرفات المملكة المتحدة قد تقوض الجهود الرامية إلى معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأزمة الهوية في أوروبا. وإذا قدمت المملكة المتحدة قائمة مقترحات من جانب واحد بقواعد جديدة للاتحاد الأوروبي، فإن الدول الأعضاء الست والعشرين الأخرى قد تتشجع على الانخراط في سياسات حافة الهاوية من جانبها. وقد تؤدي النتيجة المرجحة - سبع وعشرين مجموعة متباينة من المطالب - إلى إعادة فتح التسويات القديمة بشأن قضايا لا ترتبط إلا قليلاً بالتهديدات الملحة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي الآن.
الواقع أن الدول الأعضاء لا تملك ببساطة الوقت لإجراء تحليل يتناول كل حالة على حدة من الطلبات المقدمة من المملكة المتحدة - أو المداولات المصاحبة. وسوف تواجه محكمة العدل الأوروبي صعوبة في التوفيق بين مجموعة خاصة من التوقعات لدولة واحدة تتمتع بالحقوق والحريات التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
ويستشهد أنصار كاميرون بالسابقة التي أرساها رئيس وزراء العمل هارولد ويلسون، الذي أعاد التفاوض في عام 1975 على شروط عضوية بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة - وهي الشروط التي قبلها سلفه المحافظ إدوارد هيث قبل بضعة أعوام - ثم عقد استفتاءً شعبياً على الاستمرار في عضوية السوق الأوروبية المشتركة. وقد نجح هذا التكتيك ذات يوم، على حد زعمهم، وسوف ينجح مرة أخرى.
ولكن ويلسون كان مضطراً إلى التفاوض مع ثماني دول أصغر حجما. وفي المقابل فإن كاميرون سوف يواجه 27 دولة متميزة (بما في ذلك كرواتيا، التي سوف تنضم في وقت لاحق من هذا العام)، يواجه العديد منها تحديات محلية خطيرة. ونتيجة لهذا فإن المفاوضات تحمل عواقب سياسية أكثر خطورة - ومساحة أكبر كثيراً للخطأ.
وبرغم هذه المخاطر فإن العديد من الساسة البريطانيين يعتقدون أنهم قادرون على إرضاء الناخبين على حساب «أوروبا»، وهو ما من شأنه أن يكرس لفكرة مفادها أن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي - الكيان الأجنبي الذي يفترض فيه التجانس - لا ترقى إلى ما هو أكثر وسيلة راحة يمكن التخلص منها. والآن الأمر متروك للرأي العام البريطاني للتفكير بعمق بشأن الفوائد والتضحيات التي تشتمل عليها عضوية الاتحاد الأوروبي.
- جون بروتون سفير الاتحاد الأوروبي السابق إلى الولايات المتحدة، وكان وزيراً لخارجية إيرلندا.
***
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
www.project-syndicate.org
John_Bruton