|
لقاء - خالد الدوس:
أكد الرياضي المخضرم، والشورى الأسبق.. أستاذ الإعلام الاجتماعي بجامعة الإمام الدكتور بدر كرّيم.. إن عودة نغمة الهتافات العنصرية والعبارات المسيئة في الملاعب الرياضية, مؤشرا على ان المجتمع الرياضي السعودي يعيش حالة احتقان وتوترا وغوغائية وتعصبا مقيتا وانفلاتا اخلاقيا.. مشيرا إلى ان المشاهد والأحداث والشعارات العنصرية التي ترفعها بعض الجماهير ضد بعض اللاعبين أو الأندية تؤكد ان هذه الظاهرة الخطيرة التي تتنافى مع قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي.. تحتاج لحلول علمية ناجعة, قبل اتساع دائرتها المظلمة (فكريا)..!!, وشدد الإعلامي الكبير ان إنشاء محكمة رياضية تنظر (شرعياً) في قضايا هذه التجاوزات المناهضة ستعيد الأمور إلى نصابه، مبيناً ان الرياضة تدعو للمنافسة الشريفة والروح الرياضية العالية, وتأصيل القيم الأخلاقية ونبذ التعصب والإقصاء, إلى نص اللقاء:
التنشئة الاجتماعية
* التراشق بالعبارات العنصرية، والهتافات المسيئة في الملاعب الرياضية، ظاهرة عالمية تنبثق من إرهاصات التعصب الرياضي. والمجتمع السعودي ليس ببعيد عنها، أو بمنأى عن رياح هذه السلوكيات المشينة التي تزيد من حدة الكراهية، وتهدد الوحدة الوطنية بين أبناء البلد الواحد. سؤالي: ما أسباب ظهورها في الوسط الرياضي، وإيقاظ فتنتها من جديد؟
- الأسباب متعددة منها: غياب التنشئة البيتية والمدرسية السليمتين، وافتقاد بعض الناس منذ نعومة أظافرهم إلى التوجيه السليم، وافتقار أفراد من المجتمع إلى مفهوم الوحدة الوطنية، وتلكؤ بعض وسائل الإعلام في القيام بوظائفها الأساسية، وغياب المساءلة، والمحاسبة، والعقوبة المشددة، ومن أمن العقوبة أساء الأدب.
إن من يحيي هذه النعرات يدق أجراس الخطر. الوحدة الوطنية خط أحمر. والطائفية، والمناطقية، والقبائلية، كلها عوامل تمزق لا تُجَمِّع، وتنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور. ومن يحيي هذه النعرات لا مكان له في هذا الوطن. هو لا يحب وطنه، ووطن لا يحبه مواطن لا يستحق العيش فيه.
فهم السياسة الإعلامية
* الرياضة ظاهرة اجتماعية، تدعو للمنافسة الشريفة، والروح الرياضية العالية، ونبذ التعصب، وتعميق القيم الأخلاقية وتأصيلها. برأيك وأنت الخبير الرياضي، والمتخصص في الشأن الاجتماعي والإعلامي، كيف تتم محاربة وضبط إرهاصات تلك العبارات الفجة، ومكافحتها في الوسط الرياضي تحديدا؟
- ليس كل مشكلة يحلها الإعلام وحده، وإلا فما هو دور الفرد في المجتمع؟ والأب في البيت مع أبنائه؟ والأم مع بناتها؟ والمدرسة في التربية والتعليم؟ والجامع والجامعة والمعهد والكلية؟ أطرح الأسئلة وأشعر بمزيد من الحزن والأسى، على جيل ضاع وسط الزحام، وأندية رياضية عجزت عن المشاركة الاجتماعية، وإعلام لم يلتزم في بعض وظائفه بالسياسة الإعلامية. اقرأ لطفا ما تقوله المادة الثالثة. «تدأب وسائل الإعلام على خدمة المجتمع، عن طريق تأصيل قيمه الإسلامية الثمينة، وترسيخ تقاليده العربية الكريمة، والحفاظ على عاداته الموروثة، ومقاومة كل ما من شأنه أن يفسد نقاءه، وتُعْنى بدفع عجلة التنمية، والتعاون مع المؤسسات المختصة في هذا المجال» واقرأ فضلا ما تقوله المادة السادسة: «تقوم وسائل الإعلام بتوثيق روابط الحب، والتآزر بين أفراد الشعب السعودي، وذلك بتعريف المواطنين بأجزاء وطنهم الغالية،وإبراز الجوانب المشرقة في كل منها، وبيان تكاملها وتآزرها في تكوين هذا الوطن « ألا ترى معي أن بعضا مما جاء في المادتين شبه معطل؟ من يتحمل مسؤولية هذا التعطيل؟ أليست وزارة الثقافة والإعلام وبعض أجهزتها الرسمية؟ ألا يتحمل هذه المسؤولية بعض الصحف السعودية التي عجزت حتى الآن، عن قراءة السياسة الإعلامية بفهم وتعمق؟ أين هم المحررون الرياضيون الواعون؟ وأين هو دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟ بل أين هو دوري ودورك؟ أعرف أنه من السهل أن تطرح السؤال، ولكن الصعوبة تكمن في الإجابة عنه.
المسألة والعقوبة..!!
- العنصرية، والتصنيفات الجغرافية، والعرقية، والمناطقية، أمراض اجتماعية- نفسية، تهدد الوحدة الوطنية لأي دولة في العالم، والقوانين والأنظمة الدولية متشددة من الفيفا لمحاربتها، ومكافحتها، وأنت بوصفك متخصصا في الشأن الاجتماعي والإعلامي أكاديميا، ما الآثار السلبية المترتبة على المجتمع الرياضي السعودي، إزاء توسع نطاق هذه الدائرة المظلمة فكريا؟
- الحديث يطول في هذه النقطة، والأخطار المترتبة على المناطقية، والقبائلية ناقشها المركز الوطني للحوار، واتخذ إزاءها توصيات لو فعلت لما وصل الحال إلى ما هو عليه الآن، من اتساع نطاق ثقافة ممجوجة، تؤثر حاضرا على مسيرة التنمية المستدامة في هذا المجتمع، إن لم تكن على أمنه واستقراره اللذين يعدان خطا أحمر لا يمكن السماح لكائن من كان أن يتجاوزه، أو يعبث به. إن التصنيفات السقيمة بغيضة، وإنّ مَنْ يبشر بها إنسان ضد الوحدة الوطنية، ومن يتعامل بها يبغض وطنه، ويجره إلى متاهات لا يعلم عقباها إلا الله، ثم الراسخون في العِلْم من: فقهاء هذا الوطن، وعقلائه، ومفكريه الواعين، وإعلامه الذي يوظف لخدمة البلد والمجتمع، وأكرر اقتراحي بالأخذ بنظام المساءلة، والمحاسبة، والعقوبة، فلا بارك الله فيمن يسعى لضرب الوحدة الوطنية، وأسأله تعالى أن يبدد جهوده، ويمزق شمله، ولا يكون عبئا على وطنه أو عالة عليه.
شعارات مقيتة
* ظاهرة العبارات العنصرية، والهتافات المسيئة، بالتأكيد ممارسات مناهضة، تتنافى مع قواعد الانضباط الديني، والضوابط الأخلاقية والاجتماعية.. على مَنْ تقع عليه المسؤولية في إيقاظها وظهورها؟ هل على الأندية المغيبة للنشاط الثقافي؟ أم رعاية الشباب، التي تكتفي بالشجب، دون اتخاذ إجراءات صارمة؟ أم بعض الوسائل الإعلامية؟ أم على مَنْ؟
- تريد الصراحة أم ابن عمها؟ التهديد كل لا يتجزأ، والمسهمون فيه كثر، ومن المؤسف أنهم أمنوا العقاب، واستمرؤوا الجرأة على الوطن، وأضحت الرياضة صنعة من لا صنعة له، وإرثا ثقيلا على الرياضيين الشرفاء، تحتجزهم الشعارات المقيتة، وتسلبهم أمنهم واستقرارهم النفسيين، وتوقد نيران فتنة لعن الله من أيقظها، وأشعلها، وأجج أوارها، وما درى أنه أول من يكتوي بها. إنها الغفلة يا أخي، وإنها التربية العرجاء، والتوجيه الكسيح، والخيلاء المظهرية السالبة لحرية الإنسان، وحقوقه الأساسية.
غياب الوعي الرياضي
* وجود مثل هذه الهتافات البغيضة المناهضة في ملاعبنا الرياضية، مؤشر على أن المجتمع الرياضي يعيش حالة احتقان، وغوغائية، وتعصبا مقيتا.. هل ترى ضرورة تدخل جمعية حقوق الإنسان على الخط لتسهم في نشر الوعي الرياضي، والحد من حالات الانفلات السلوكي؟
- بل أرى إلى جانب ذلك، تدخل هيئة مكافحة الفساد، فالهتافات العنصرية البغيضة تفسد الحياة وهي ظاهرة عالمية، تقض مضاجع الناس، وتعرضهم للفتنة، والفتنة لا تحمي الإنسان في أي مجتمع كان، بل بالعكس تنال من أمنه الاجتماعي من جهة، وأمانه النفسي من جهة ثانية. أرى إلى جانب ذلك أن تتحمل الأندية الرياضية، ورعاية الشباب، وعقلاء هذا الوطن، ومثقفيه، وعلماء الشريعة، نصيبهم المطلوب من المكافحة والحماية ونشر الوعي المجتمعي ولخطورة هذه الظاهرة صار العالم يحتفل سنويا بيوم مكافحة العنصرية وأنماطها (يوم 21 مارس من كل سنة).
اضمحلال الثقافة الرياضية
* بوصفك رياضيا مخضرما ومتخصصا في الشأنين الاجتماعي والإعلامي، ما العوامل المؤدية إلى زيادة حدة التعصب الرياضي، وشق صف أبناء الوسط الرياضي، والمجتمع بشكل عام؟
- غياب المسؤولية الاجتماعية، وظهور بعض قنوات الرياضية التي تغذي التعصب، وتذكي نيرانه، وتشعل الحرائق في بعض الأندية الرياضية، إلى جانب اضمحلال الثقافة الرياضية المبنية على أسس صحيحة وسليمة. الحل حملة توعيّة، ليست آنية، ولا ظرفية، بل تكتسب الديمومة، فميدان الرياضة يتسع، ومع اتساعه يدلف إليه ما هب ودب، ويكاد يفرغ من العقلاء، ومن يغذون الفكر الرياضي بالأمانة، والخلق الرفيع، والترفع عن الصغائر.
المحكمة الرياضية.. مطلباً
* تحدي العنصرية عالميا أصبح صعبا، وأكثر تعقيدا كمشكلة اجتماعية - نفسية.. تطال بعض اللاعبين والأندية، وعبارات الشجب والاستنكار، لا يمكن أن تعالج هذه الظاهرة العالمية المزمنة. هل أصبحت مكافحة هذه العبارات، المناهضة للقيم الاجتماعية السليمة، تتحتم تدخل جهات قضائية، وقانونية، عبر تجريم هذه الألفاظ البذيئة، وسن أنظمة صارمة؟
- اتساع نطاق هذه الظاهرة البغيضة، يجعلني أقترح إنشاء محكمة رياضية، تنظر في قضايا هذه الظاهرة وقد استشرت، وتصدر أحكامها الشرعية، بما يحفظ للمجتمع ككل، والمجتمع الرياضي على وجه الخصوص، نقاءه، وصفاءه، في الأمور التي لا لبس فيها ولا غموض.
اتساع الهوة
* غياب الكراسي البحثية الرياضية، التي تتناول قضايا اجتماعية رياضية مهمة مثل: التعصب الرياضي، والعنصرية الرياضية، وتنمية الوعي الرياضي، والتنشئة الرياضية الخ، هل ألقى بظلاله القاتمة على: توسع المشكلات والهموم الرياضية، في المجتمع الرياضي السعودي؟
- يبدو ذلك واضحا ولا يحتاج إلى دليل، وإذا لم تتحرك الجهات المعنية، فإن الهوة تتسع، والثقب يصعب على الراتق، والمشكلات تزداد ولا تخفت حدتها،والسكوت عليها وعنها من الأخطاء القاتلة، ولعبة السياسة في القضايا الرياضية مرفوضة، والنار من مستصغر الشرر، ولا تحرق إلا أقدام مَنْ يطؤها.. لذلك مع الأسف ان غياب البحوث الاجتماعية الرياضية.. عززت من انتشار هذه الثقافة الممجوجة.
أمانة الكلمة
* مع الانفتاح الإعلامي الرهيب وتطور وسائل الاتصال ومكوناته في ظل العولمة الإعلامية هل شكل الإعلام واتجاهاته المؤثرة قاسما مشتركا في بلورة وتأجيج التعصب الرياضي وظهور نغمة الهتافات العنصرية في المجتمع الرياضي؟
- أشرت في إجابة سابقة إلى دور وسائل الإعلام السعودية، إزاء المجتمع، وأضيف الآن ما جاء في المادة (25) التي نصت على أن «يعتمد الإعلام السعودي على: الموضوعية في عرض الحقائق، والبُعْد عن المبالغات، وتقدير شرف الكلمة، ووجوب صيانتها من العَبَث، ويرتفع عن كل ما من شأنه أن يثير: الضغائن، ويوقظ الفتن، والأحقاد» فهل بعد هذا يجوز أن يأتي من لا يقدر شرف الكلمة وأمانة الحرف؟ ويثير الضغائن؟ ويوقظ الفتن؟ ويغذي الأحقاد بنشركلام ضد الوحدة الوطنية؟
أعود فأقول مجدداً: لا حل إلا بمحكمة رياضية، تضم قضاة سعوديين أكفاء، يعرفون أن هذا الوطن لا يتحمل المرجفين في الأرض، ولا العابثين بأمنه واستقراره وأمانه، ووحدته الوطنية، وأن الرياضة أسمى من أن تكون ميدانا لتصفية حسابات شخصية.
* كلمة أخيرة..
- أرجو أن تكون صفحات الرياضة في صحيفة الجزيرة، كما هي قدوة حسنة تقتدي بها بقية الصحف للترفع عن الصغائر، ومناقشة قضايا الرياضة بموضوعية، والبعد عن المبالغات، وصفحات الرياضة في صحيفة «الجزيرة» رائدة في هذا السياق،
و«الرائد لا يكذب أهله».