الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
دعت أكاديمية متخصصة في القرآن الكريم وعلومه المسلم والمسلمة إلى حفظ ألسنتهم من الوقوع في الكذب والغيبة والنميمة والخوض في أعراض الناس، والابتعاد عن اللغو في الكلام وإشغال اللسان بذكر الله، والطاعة، إذ إن اللسان نعمة أنعم الله بها علينا، فالواجب استغلالها بالخير والطاعة، لأنها تورد المهالك إذا لم تحفظ.
وقالت الدكتورة أمل الغنيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن - في حديث لها عن حفظ اللسان وأداء الأمانات إلى أهلها -: الإنسان محاسب على كل كلمة يتفوه بها قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق، أي ما يتكلم الإنسان بكلمة إلا ولها من يرقبها ويحصيها ويكتبها له أو عليه قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (10 - 12) سورة الانفطار، وحفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار، فحذار من إطلاق اللسان في الباطل وفي أذى المسلمين، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) متفق عليه، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: (امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك). وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: وإنا مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم!)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان (أي تذل له وتخضع) فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا».
وأكدت أن حفظ اللسان من صفات المؤمنين: لأنهم يحفظون لسانهم من الخوض في أعراض الناس، ويبتعدون عن اللغو في الكلام، قال الله عز وجل: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيَقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُتْ)، كما أن في حفظ اللسان نجاة للمؤمن: فعن عقبة بن عامر يقول: (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله! ما نجاة المؤمن؟ قال: يا عقبة بن عامر! أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك). وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم: (قالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وتطرقت الدكتورة الغنيم إلى خصلة الغيبة وقالت: إنها من أخطر أمراض اللسان، وقد نهانا الله سبحانه عن الغيبة، وشبَّه من يغتاب أخاه، ويذكره بما يكره، ويتحدث عن عيوبه في غيابه، كمن يأكل لحم أخيه الميت، فقال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}. وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته من الغيبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره، إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته).
واستعرضت بعضاً من الآثار المترتبة على الغيبة ومنها: تقطيع روابط الألفة والمحبة بين الناس: فهي تزرع بين الناس الحقد والضغائن والكره، وهي تدل على خبث مَنْ يقولها وامتلاء نفسه بالحسد والظلم، وقد شبَّه الإمام علي رضي الله عنه أصحاب الغيبة بأنهم أشرار كالذباب، فقال: الأشرار يتبعون مساوئ الناس، ويتركون محاسنهم كما يتبع الذباب المواضع الفاسدة، كما إن من آثار الغيبة أنها تفسد على المسلم سائر عباداته: فمن صام واغتاب الناس ضاع ثواب صومه، وكذلك الحال مع بقية العبادات، وأن عقاب من يتصف بالغيبة أليم يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما عُرِجَ بي (أي في رحلة الإسراء) مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخْمِشُون (أي يجرحون) وجوههم وصدورهم، فقلت: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم).
وواصلت أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن قائلة: إن هناك أموراً أباح الإسلام فيها للمسلم أن يذكر عيوب الآخرين، ولا يعد هذا من قبيل الغيبة التي يُعاقَب عليها المرء، وهذه الأمور هي: التظلم إلى القاضي أو الحاكم: فيجوز للمظلوم أن يشكو إلى القاضي أن غيره قد ظلمه، وتغيير المنكر ورد العاصي إلى الرشد والصواب: فيجوز للمسلم أن يقول: فلان يفعل كذا وكذا من المنكر حتى يزدجر ويرجع عما يفعله، طالما أنه لا يستجيب لنصح ولا ينفع معه ستر، ولكن يشترط أن يكون القصد هو تغيير المنكر وليس التشهير بالعاصي، وتحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم: فيجوز للمسلم أن ينصح أخاه بالابتعاد عن أحد الأشخاص لما فيه من صفات ذميمة تجلب الشر والخسران، والمجاهرة بالفسق والبدع: فإذا كان من الناس مَنْ يفعل الذنوب علانية؛ كأن يشرب الخمر، أو يظلم الناس، فإنه يجوز ذكر عيوبه؛ حتى يرتدع ويرجع إلى الله، والتعريف: فإذا كان بعض الناس لا يعرف إلا بلقب يسمى به بين الناس كأن نقول: فلان الأعمش أو الأحول، فإن ذلك يجوز إذا كان الغرض معرفة الإنسان، ولا يجوز إذا كان الغرض سبه وتنقيصه.وكما قال الحسن: لا غيبة إلا لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر. وسألت الله تعالى في ختام حديثها أن يحفظ ألسنتنا وأعمالنا من الشوائب والمفسدات وأن يجعلها خالصة له سبحانه.