الخوف من كلام الناس، وما يتحدثون به، وما تلوكه ألسنتهم، وبخاصة ما يؤثر سلباً على نفس المسلم، وما يضيق بسببه صدر المؤمن، وما يكون أحياناً مثبطاً لعزيمة المجتهد، وقاصراً لخطوات المنطلق. ظاهرة اجتماعية خطيرة، وهي قضية اهتم بها الدين، وحذّر منها الشرع الحكيم، وأثبتت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول تبارك وتعالى، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.
فكلام الناس له تأثير عجيب، ولكن لا ينبغي أن يثنينا عن عزمنا، ولا يكون عائقاً لنا عن تأدية رسالتنا، والقيام بمهمتنا، ولذلك قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} فهذه وصفة ربانية، وعلاج ناجع لمن ضاق صدره من كلام المغرضين، والسفهاء المثبطين: كثرة ذكر الله عز وجل، وكثرة الصلاة، والمضي في العبادة حتى الموت.
إن الناس بسبب بعدهم عن امتثال أمر الله عز وجل ونهيه، لا يتورعون عن تسليط ألسنتهم على غيرهم، ولا يكترثون بما يقولونه عن مسلم من إخوانهم، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ)، وقد صدق صلى الله عليه وسلم، كيف تكون مسلماً حقيقياً، ولسانك يتسبب في ضيق صدر إخوانك، تغتابهم، وتحط من قدرهم، وتكذب عليهم، وتصفهم بما هم بريئون منه، هذا من قول الزور الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث، الذي رواه البخاري في صحيحه، قال صلى الله عليه وسلم يسأل الصحابة: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ - أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، قَالَ راوي الحديث: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ).
إن هذه الظاهرة الخطيرة، التي تجعل كثيراً من الناس، يتركون الواجبات، ويفعلون المحرمات، ظاهرة موجودة في المجتمع، وقد تسببت وساهمت في انتشار كثير من المخالفات، وعلى سبيل المثال: الإسراف والتبذير، الإسراف الذي لا يحب الله عز وجل أهله، كما قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، والتبذير الذي وصف الله عز وجل أهله بأنهم إخوانٌ للشياطين، فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}، فما أكثر المسرفين والمبذرين، ولو سألت أحدهم عن سبب إسرافه أو تبذيره، لوجدت أنه الخوف من كلام الناس. تأخير الزواج، وكثرة العوانس، ورد الأكفاء، والمبالغة في تكاليف الزواج، ومحاكاة سفهاء المجتمع في ذلك، ظاهرة يرفضها جميع الناس، ولكنهم يقعون بها، ويعملون على عدم إزالتها، بسبب الخوف من كلام الناس.. مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كإطالة الشوارب، وحلق اللحاء، والإسبال للرجال، والتبرج واللبس الفاضح للنساء، أكثر الناس يقع بذلك، وقد يكون في قرارة نفسه، يتمنى أن لا يفعل شيئاً من ذلك، ولكنه لا يستطيع، والسبب هو الخوف من كلام الناس، وماذا سيقول الناس عنه؟.
مخالفات كثيرة، وأمراض خطيرة، بل وجرائم شنيعة، تقع في مجتمعنا، بسبب هذه الظاهرة المنكرة، التي لا يحبها الله عز وجل، ولا يرضاها من عبد من عباده.
إن الخوف من الناس، ومن كلامهم، قضية يجب على المسلم، أن لا يأبه بها، ولا يجعلها مانعاً له من فعل ما يقربه من الله عز وجل، وما يبعده عن غضب خالقه ورازقه ومحاسبه، يقول تبارك وتعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}، وفي الحديث الذي صححه الألباني - رحمه الله - يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ). وفي حديث آخر صحيح، عن عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مَئُونَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ سَخَطَ اللَّهِ بِرِضَا النَّاسِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ).
الناس أخي القارئ الكريم، الذين تترك ما يحبه الله عز وجل من أجلهم، وترتكب ما يغضبه سبحانه، خوفاً من ألسنتهم، لن يدخلوا معك في قبرك، ولن يثقلوا ميزان حسناتك، ولن يمسكوا بيدك للمرور على الصراط يوم القيامة، فاحرص على ما ينفعك، ودع الناس وكلامهم:
لا تلتفت إلى تخذيل حاسد
ولا إلى شماتة هامز
التمس - أخي - ما يُرضي ربك، ولا تلتفت للسفهاء الذين وظفوا أنفسهم رقباء على غيرهم.
حائل