في علم السياسة توجد وقائع، ومعلومات، وأرقام، ولا توجد ألغاز، وتكهنات. وعندما نتحدث عن التدخل الإيراني في العراق، فلن تأتي تقارير الاستخبارات الدولية في خطوطها العريضة بجديد؛ لأن إيران ملئت الفراغ الحاصل في العراق، باعتبارها حديقتها الخلفية؛ ولتشكل معها محورا إقليميا قويا، ومؤثرا على سياسات الدول الأخرى في المنطقة، وبالتالي استطاعت إيران أن تعمل على تحقيق أهدافها الدينية، والسياسية، والاقتصادية في العراق.
إن التدخل الإيراني في العراق، يعني تورطها في شؤون دولة أخرى؛ لتحقيق مصالح غير مشروعة. الأمر الذي أدى معه إلى زيادة نفوذها في أروقة السلطة في بغداد، واليوم تجني ثمار هذا التدخل من خلال تحديد معالم السياسة العراقية، عن طريق رئيس وزراء يعتمد مع الأسف على تحالف طائفي. وهو ما أكده مفتي الديار العراقية الدكتور رافع الرفاعي، عندما هاجم قبل أيام في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط»، حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، مبينا: «أن قراراتها ليست بيدها، وإنما تطبخ، وتقدم لها جاهزة من إيران»، وأضاف: « أنه لا المالكي، ولا غيره يستطيع أن يخالف ما تقرره إيران، وأن أصل التفاوض يجب أن يكون مع إيران، وليس مع المالكي، الذي ليس بصاحب قرار لا هو، ولا حكومته، ووزراؤه، والأحزاب المنضوية معه».
يتبين من خلال تصريح مفتي الديار العراقية: أن التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي مفتوحة في كل الاتجاهات، وأن إيران نجحت ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث في الاستيلاء على مؤسسات الحكم في العراق، والعمل على صياغة شكل الحكومة المستقبلية، وتشكيل وجه السياسة العراقية لمصلحتها، وذلك من خلال التدخل في الساحة السياسية الداخلية والخارجية للعراق؛ حتى لو أدى الأمر إلى تزوير نتائج الانتخابات بواسطة اغتيال المرشحين لها، وهو ما أكده إياد علاوي، عندما اتهم إيران بشكل مباشر بمنعه من أن يعين رئيسا للحكومة، وبتدخلها السلبي في العراق. وأذكر جيدا، أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ، وفي مساءلة لها في لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ، أفادت: « أن الولايات المتحدة تبذل كل ما تستطيع؛ لتدفع إلى الأمام بمشاركة واسعة في الانتخابات؛ لكنه تضاءل أمام تأثير جهود إيران؛ للتأثير في النتائج بالرشوة، والدعم المالي للمرشحين».
من المهم لإيران السيطرة على العراق، ولو بأدواتها المحلية؛ من أجل الحفاظ على مصالحها الجوهرية. ولعلي أقف كثيرا على محاولات إيران؛ لفرض التشيع على أيدي الصفويين في العراق، والدخول في صراع طائفي، يراد له ألا يتوقف عند هذه المرحلة؛ لتتسع دائرة التشيع على صعيد المنطقة وصولا إلى آسيا، وأفريقيا. وقبل أن أختم هذه النقطة، سأرمي بسؤالي الأخير، وأغادر: إلى متى سنترك العراق رهينة بيد إيران؟.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية