لست طبيبة، ولا متخصصة في أي من فروع التخصصات الطبية، إلا أنه بالقراءة والاطلاع أعلم أن فيروس مرض الإيدز يحتضنه جسم الإنسان لمدة طويلة، وقد لا تظهر علامات المرض إلا بعد عشر سنوات أو أكثر. هذه المعلومات أيضًا توصلت إليها من خلال عملي الإعلامي، واللقاء الشهير الذي ظهر فيه للمرة الأولى باسمه وصورته سعودي مصاب بالإيدز، هو الشاب “رامي” والذي بعد ذلك الحوار صار من أهم النشطاء للتوعية بهذا المرض والتعايش معه. لذا فإن النتائج التي صرّحت بها وزارة الصحة، عن عدم وجود أي نشاط للفيروس في دم الطفلة ريهام الحكمي، التي تم نقل دم ملوث بالإيدز إلى أعماق جسدها، فهو تصريح صحيح إلا أنه غير دقيق، وذلك بناء على ما ذكرت أعلاه، وما هو معروف عن طول مدة احتضان هذا الفيروس وبقائه خاملاً لسنوات طويلة!
أنا لا ألوم وزارة الصحة التي تحاول تهدئة الرأي العام، الذي ثار بكل مكوناته على تلك القضية الفضيحة، وساعد ريهام الحكمي في ظهور قضيتها الانفتاح الإعلامي على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لذا لم يتم دفن هذ الفضيحة كما تم دفن المئات إن لم يكن الآلاف قبلها، وما حكاية “رامي” الذي التقيته قبل سنوات وقد انتقل له المرض بطريقة ريهام نفسها، بعد أن أجرى عملية جراحية وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، وحدث له بعدها نزيف أدى إلى إجراء نقل دم لتعويض ما فقده، وفي حكايته حدثت جريمتان، الأولى: النزف أثناء العملية، مما يؤكد وجود خطأ طبي حدث خلالها. والثانية: نقل دم ملوث. ولأن هذا حدث ولعشرات غيره في وقت قبل وقتنا هذا، ولم يكن على تلك الأيام هناك “فيسبوك” أو “تويتر” فتم دفن الموضوع بلا عقوبات لمن تسبب له ولغيره بالشقاء الأبدي.
إن وزارة الصحة -إذا أرادت- تهدئة الرأي العام، فعليها أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتسببين والمتسيبين، وأن تظهر محاكمات علنية، ومحاسبة دقيقة لكل من فعل خطأً طبياً، أو تسبب في حدوثه، أو ستر على فاعله. فكل الشواهد والأدلة مع قضايا الأخطاء الطبية على مدى سنوات طويلة أن “الغَبَن” الذي يشترك فيها، هو التستر، وهذا ما جعل القائمة تمتد وتزيد، فلن يهتم ولن يراعي الله -عز وجل- من هو مصاب بنقصان الضمير، وآمن من جهة العقوبة والمُحاسبة!
إن قضية ريهام الحكمي، وغيرها من قضايا الأخطاء الطبية، لا يمكن أن تمر في هذا الوقت على أي إنسان، كما أن كثرة هذه الأخطاء هي نذير لأوضاع خطيرة لم تستطع وزارة الصحة التغلب عليها. فكما أن كل بيت سعودي قد عانى من فقدان عزيز عليه بحادث مروري، صار كل بيت سعودي يعاني من فقدان عزيز عليه بخطأ طبي، أو بإهمال، أو تأخر في التشخيص والمعالجة!
هذا كله يؤدي إلى فقدان الأمن الصحي، وفقدان هذا، لا يقل عن الأساسيات الأمنية التي هي من احتياجات كل إنسان، فإن لم تسع وزارة الصحة إلى ترميم هذا الركن، فبقية الأركان لن تحملها الأعمدة!
www.salmogren.net