كتب - أحمد الناصر الأحمد:
يتفاوت الشعراء في مواهبهم وثقافتهم ووعيهم وذكائهم واختلاف ظروفهم وبيئاتهم وتعليمهم، وبالتالي تأتي قصائدهم مزيجاً لهذا الاختلاف فهي أشبه بالمرايا العاكسة لما في دواخل كل شاعر وإن حاول الهرب والتملص من هذا التسلل الخفي، فهو سيظهر حتماً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للمتلقي الذكي.
كما ان بعض الشعراء يمتلك كاريزما خاصة به يستثمرها بذكاء لتسويق نفسه وتحويل أشباه الفرص إلى فرص حقيقية لكسب الجماهير وزيادة رصيده البشري، وبالتالي انتشاره لدي شرائح أوسع واكبر بكل الطرق المتاحة، سبيله في ذلك (الغاية تبرر الوسيلة) !.
ولأن الانتشار هدف كل شاعر والضوء ببريقه وغوايته مطلب لمعظم الشعراء، فإنّ حصيلة الشعراء من خلال هذا الركض المتواصل تتفاوت بين شاعر له جمهور وشاعر له جماهيرية وندرة من الشعراء جمع بين الاثنتين.
ولكي تبدو الصورة أوضح سأتحدث عن الجمهور والجماهيرية بإيجاز، وأذكر نماذج فريدة لمن جمع بينهما.
الجماهيرية تعني الكثرة وهي في عمومها سهلة الانقياد يمكن توجيهها من قِبل الإعلام وكل وسائل التوجيه الأخرى، وهي في المجمل غير مؤسسة لفهم الشعر بعمق وتقييمه، تحب هذا الشاعر او ذاك لأنها تعتقد ان الكثيرين يتابعونه ويروجون له كما أنها قابلة للنكوص وتغيير رأيها من شاعر لآخر بدون أسباب مقنعة للعقل والذائقة.. إنها أشبه بمعظم جماهير كرة القدم تحركها عواطف متأرجحة وتتعامل مع الحب والكره والإقبال والإدبار بمزاجية غير متآلفة مع العقل ومتسقة مع المنطق.
والجماهيرية تعتاد حياة القطيع وتسرع الخطى نحو الزحام بغضّ النظر عن طبيعته وأهميته، كما انها مولعة بالظواهر مفتونة بالضجيج. بينما الجمهور يختلف بشكل كبير فهو لا يحب شاعراً ويتابعه لأنه مسوق إعلامياّ او مفروض على العين والأذن والذائقة. الجمهور يبني حبه وولعه ومتابعته للشاعر - أي شاعر - من خلال تتبع عطاءاته واقتفاء اثر قصائده وحين تلامس قصائد الشاعر ذائقته وتقنع عقله ووجدانه يتابعه ويتحمس له ويحبه.
والجمهور مؤسس وثابت وأحكامه لا تصدرها العاطفة لوحدها، لذلك هو يدافع بالحجج والبراهين عن الشاعر الذي حبه واقتنع به عكس الجماهيرية القابلة للتحول للنقيض حين تثور عجاجة إعلامية لتقديم شاعر على حساب آخر.
الجمهور أقل كماً من الجماهيرية وأهدأ ضجيجاً لكنه أكثر ثباتاً وأعمق عشقاً وولعاً بمن أحب من الشعراء.
ذكرت ان هناك شعراء صنعوا لهم جماهيرية بطرق مختلفة وهم شعراء في مجملهم يستحقون الاحترام.. بينما هناك شعراء محاطون بجمهور محب وعاشق وهم محل الاحترام والتقدير.
ندرة من جمعوا بين الجماهيرية بكل ضجيجها وغوايتها والجمهور بكل عشقه ووعيه، وسأكتفي بذكر رمزين يمثلان هذه الندرة وهما: خالد الفيصل وبدر بن عبد المحسن.. هذان الشاعران حققا المعادلة الصعبة بكل اقتدار وهما دون شك يستحقان ذلك.
نفحة شعر:
للحميدي الثقفي
من رقى نخلة الدفتر وشق السحابه
تغسله باحتمالات المطر والتراب
كلما خدرت صحو السؤال الاجابه
سال قيض تشجر من عروق السحاب
فوق نخل جنو طلعه وخانوا ترابه
وارتدوا فوق ثوب الطين.. طين الثياب
صبي الغيم يا سلمى لناس ٍ غلابه
من عطشهم على الما يحلبون السراب
اظهري مثل نفحة برق.. والفجر غابه
واختفي مثل ورده في ظنون الكتاب
غصنها يعزل الما من سراب التشابه
والنسانيس ترسم به نوافذ.. وباب
alahmad9090@hotmail.com