للأسف، لم يعد من المحرمات أن تسمع من المذهبي المتعصب، سنياً كان أو شيعياًً قوله إن الصهاينة أشرف وأرحم من أتباع المذهب الإسلامي المخالف لمذهبه. تسأله كيف؟.. مفجوعاًً بعمق الكراهية والجموح في التعبير عنها وتحطيم كل الحواجز الدينية والقومية والتاريخية. الأجوبة دائماًً جاهزة، أولها العودة إلى التاريخ القديم واستخدامه وكأنه تاريخ خلاف سني شيعي وهو ليس كذلك، وكأنه صراع عقدي خالص لوجه الله وهو ليس كذلك، وكأنه لم يكن صراع أجنحة وعصبيات لأسباب دنيوية بينما هو كذلك من البداية وحتى اليوم.
الجواب الآخر الجاهز هو أن يحيلك المتمذهب حين يكون شيعياًً إلى ما يعتقد بحدوثه على أيدي السنة للشيعة أيام حكم البعث في العراق، وكأنه كان بالفعل حدثاًً طائفياًً عقائدياًً استباح فيه العرب السنة دماء العرب الشيعة. هذا المذهبي المتعصب يتناسى أن المأساة شملت عموم العراق بكل طوائفه تحت رايات وشعارات حزبية لا دينية، ثم تحولت في أشرس حلقاتها إلى حرب قومية أكلت الجميع.
بالمقابل يحيلك المتذهب المتعصب السني إلى ما يحدث للسنة العرب في العراق وسوريا على يد الحكومتين الشيعيتين في الدولتين، وكأنها انتهاكات تطوعية يقوم بها العربي الشيعي ضد العربي السني. يتناسى المتعصب السني عمداًً أن الأطماع القومية الفارسية القديمة سنحت لها فرصة الالتقاء بشوفينية سياسيين شيعة عرب يتاجرون بدماء وأعراض الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية.
من يستطيع إقناع العراقي الشيعي أن كل الأعمال الإرهابية المنسوبة إلى تنظيم ما يسمى بدولة العراق الإسلامية تتم جزئياًً وربما كلياًً بموافقة ساسته الذين انتخبهم بنفسه وبتوجيه ومشاركة فيلق القدس الإيراني وسلطات الاحتلال الأمريكي.
كذلك من يستطيع إقناع العراقي السني أن الانتهاكات التي يتعرض لها ليست أعمالاًً تطوعية من تدبير العرب الشيعة، بل عمليات تخريب سياسي متعمد أهدافها الانهاك والتفكيك والدفع في اتجاه الهاوية للعراق بكاملها.
يتحجج الشيعي بمظالم الشيعة في البلاد ذات الأغلبية السنية متجاهلاًً مظالم أتباع المذاهب السنية في إيران الشيعية والعراق وسوريا. يتحجج المتمذهب السني بمظالم السنة في إيران متجاهلاًً مظالم الشيعة في البلاد السنية، وكلاهما يتكتم على الأسباب الحقيقية السياسية المصلحية المتذرعة بالمذاهب.
يقول السياسي الشيعي العراقي عادل عبدالمهدي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي: أصبحنا جميعاًً رهائن، المطلوب منا كلام العقلاء ولكن في أجواء فقدت العقل.
ويقول القيادي في التيار الصدري جواد الشهيلي: إن موقفنا المناهض لسياسات المالكي يكلفنا الكثير شعبياًً، ولكن هناك مؤشرات على ظهور دكتاتورية جديدة يمثلها رئيس الوزراء المالكي اليوم، ويجب علينا الوقوف ضدها.
ويقول المثقف الشيعي فاضل النشمي: ما ارتكبه صدام وحزب البعث من عار باسم السنة في ثلاثين عاماًً، يعادل ما ارتكبه المالكي وحزب الدعوة من عار في عشر سنوات باسم الشيعة.
لعل هذه التصريحات الخجولة تمثل اعترافاًً مبدئياًً بأن الساسة الشيعة في العراق أدركوا أنهم وقعوا في شر أعمالهم.
تجاه هذا اللقاء المصلحي اللئيم بين الشوفينية المذهبية والأطماع الأمريكية الصهيونية والفارسية، يحتاج العرب إلى وقفة تأمل في خلافاتهم المذهبية، ووقفة أمام المتاجرين بالمذاهب قبل أن يتحولوا نهائياًً إلى كلاب ذليلة تحت أقدام الروم والفرس والصهاينة.