كتبتُ قبل قرابة السنة: (ثلاثة من العرب سيلعنهم التاريخ: أبورغال حين دل الأحباش إلى مكة.. وابن العلقمي حين حرض التتار لاحتلال بغداد.. والمالكي حين مكّن الفرس من العراق).
المالكي لم يُمكن الفرس من العراق قناعة بهم، ولا لأنه طائفي كما يتهمه البعض، فهو شخص لا يهمه إلا نفسه وبقاؤه في حكم العراق وليذهب إذا ضمن البقاء مذهبه إلى الجحيم، وإنما -في تقديري- لأنه يريد أن يبقى في حكم العراق بأي ثمن، ولأن الفرس يتّخذون من المذهب الإثني عشري (جسراً) يعبرون من خلاله إلى الداخل العراقي ليتحكموا فيه، فقد يسّر لهم كل الوسائل ليتحكموا في العراق وأحزاب العراق ومرجعيات العراق الشيعية، بل وهناك من يُؤكد أن (القضاء) -أيضاً- في العراق يوجه من طهران، مقابل أن يقفوا معه حاكماً أبدياً للعراق. فما يجري في العراق هو ببساطة معادلة تقوم على أن بقاء الفرس يعتمد على بقاء المالكي في السلطة وبقاء المالكي يعتمد على بقاء الفرس ذوي سلطة وسطوة ونفوذ في النسيج الاجتماعي المذهبي العراقي، فإذا اختل وجود أحد طرفي المعادلة اختلّ بالضرورة الطرف الثاني.
وفي رأيي أن انتفاضة العراقيين على حكومة المالكي، التي تزداد اشتعالاً وتفاقماً يوماً بعد يوم، هي خليط من عوامل مختلفة، إلا أن التذمر من الوجود الإيراني يأتي على رأس هذه الأسباب كما يتفق المراقبون.
ومن يراقب هذه الانتفاضة يجد أنها في تزايد مستمر، وفي الوقت ذاته يواجه المالكي تحديات جمة، وهو يصر على البقاء متكئاً على علاقات قوية مع أمريكا، وفي الوقت ذاته معتمداً على تحالفه الإستراتيجي مع إيران، التي هي الآن اللاعب الأقوى في الساحة العراقية، وبالذات في الجنوب العراقي حيث يشكل الشيعة أكثرية مطلقة.
وفي بادرة اعتبرها المراقبون اعترافا ضمنياً بفشل الحكومة في حماية مساجد أهل السنة، حذر المالكي حسب جريدة (الزمان اللندنية) مما اعتبره مخططاً قديماً يراد أحياؤه لإشعال الفتنة الطائفية من خلال استهداف المساجد، ودعا إلى صلاة موحدة بأحد مساجد بغداد تضم جميع الطوائف وليس طائفة واحدة، وهذا ما اعتبر اعترافاً من المالكي الذي يحتل منصب القائد العام للقوات المسلحة بفشل القوات الحكومية في حماية هذه المساجد وصد الهجمات ضدها. ومثل هذا الاعتراف في تقديري يحاول من خلاله المالكي أن يهدد أهل السنة ومساجدها في حالة عدم انصياعها لطلبات التهدئة. والإذعان لحكومته.
وفي الوقت ذاته كلما شعر المالكي بالضعف، وتفاقم الانتفاضة ضده، يرتمي في أحضان الإيرانيين أكثر؛ فقد نشرت وكالة «أور» قول مصادر إيرانية مطلعة: (إن القيادة الإيرانية تعتقد أن تغيير المالكي أمر خطير، وأن إقدام التحالف الوطني على هذا القرار قد يعني أن انشقاقات ستصيب البيت السياسي الشيعي، وهذا ما لن تسمح طهران بحدوثه). وقال أحد المعلقين العراقيين متسائلاً: (المالكي لم يحم الشيعة ولم يرض السنة ولم يتفاهم مع الأكراد فما فائدته إذاً؟)؛ قياس فائدته لا تقاس بإنجازاته الوطنية الداخلية، ولا بإرضاء فئات الشعب العراقي، ولا بتحقيق قدراً معقولاً من الخدمات التي يطالب بها الشعب العراقي بجميع مكوناته، وإنما في إخلاصه لمن أتوا به وفرضوه على العراقيين كرئيس وزراء بعد أن خسر في الانتخابات الماضية، ففاز بالقوة معتمداً على الدعم الشيعي الذي يتحكم فيه الإيرانيون.
وغني عن القول أن المالكي يدرك هذا، ويدرك أن تنحيه عن رئاسة مجلس الوزراء يعني أن كل ملفات الفترة التي حكم فيها العراق سيتم فتحها حتماً وسيذهب عندها إلى السجن، وفي الوقت نفسه إيران تدرك أنها لن تجد رئيس وزراء مكبلاً وضعيفاً مثل المالكي.. لذلك ستدعمه بكل قوة.
إلى اللقاء،،،