قبل أيام هاتفني صديق من الخارج، كان بصدد زيارة إلى مدينة الرياض لأول مرة، وسألني عن بعض الفنادق التي عثر عليها في موقع بوكنج في الإنترنت، وكان الصدمة بالنسبة لي كبيرة ومباغتة، حين سأل عن موقع أحد الفنادق وكم يبعد عن وسط المدينة (السيتي سنتر)؟
كنت أسأل نفسي بعدما أقفلت الخط، أين هو وسط المدينة في الرياض؟ هل هو موقع الديرة القديمة؟ هل هو المربع الذي يوجد فيه مركز الملك عبدالعزيز الحضاري؟ أم هو العليا؟ وأين بالضبط في العليا؟ وما الفرق أصلاً بين الديرة والمربع والعليا والسليمانية؟ وإذا كنا نفترض أن (السيتي سنتر) في أي مدينة هي منطقة جذب وترفيه، فما الجذب والترفيه الذي تحققه منطقة مثل الديرة؟ وما التسهيلات التي توفرها للساكنين هناك؟
ما يُسمى وسط المدينة في أي عاصمة هو ما يحمل عبقها وتراكم عقود السنوات فيها، وبالتالي لا يمكن لزائر أي مدينة أن يتجاهل وسط المدينة، ولا يزوره، لكن ماذا يحمل وسط الرياض إذا كان المقصود هو منطقة الديرة وقصر الحكم وشارع الثميري؟
للأسف تم مسح ملامح عقود من السنوات تحت إلحاح التجديد، بينما كان الأولى هو الترميم، ماذا لو تم الاحتفاظ بمنازل الشخصيات المؤثِّرة في مختلف المجالات، في المجال الديني والعلمي والأدبي، وتحوّلت هذه المنازل إلى متاحف صغيرة، يتم تعريف زوارها بهذه الشخصيات التي كانت جزءاً من تاريخ تكوين الوطن في بداياته المبكرة.
ماذا لو تم الاحتفاظ بمباني الأندية الرياضية، حتى لو كانت مستأجرة آنذاك، لتقدّم تاريخ الرياضة في المملكة، ماذا لو بقي مبنى مقهى ماثلاً، ومرمماً بشكله القديم، كم هو رائع أن تقرأ في مدخله: أنشئ في 1955م، هذه العبارة التي نجدها في معظم مدن أوروبا والعالم أجمع، فالتاريخ والعراقة هي ما يجب أن تفتخر به الدول والمدن، لا البنايات الحديثة، وناطحات السحاب، وخصوصاً أن مادة الطين التي قامت عليها منازل الأجداد، يمكن ترميمها والحفاظ على شكل المباني، وتميزها عن جميع أنماط المعمار في العالم!
معظمنا حينما يستقبل ضيوفاً من خارج البلاد، ويبحثون عمَّا يزورونه، يفكِّر فوراً بالدرعية القديمة، لما تحمله من تاريخ يمثِّل قروناً ماضية، أما ما عدا ذلك فلا مكان يستحق الزيارة، وعوداً إلى منطقة وسط المدينة، ماذا لو عملت الأمانة، وهيئة تطوير الرياض، على تحديد وسط المدينة بتمييزها عبر إعادة تشييد مبان قديمة، إعادة بناء سور الرياض القديم، ببواباتها الثماني، الرئيسية أو الأحساء، السويلم، الظهيرة، البادية، المرقب، دخنة، الجنوب، واليمامة.
وتحديد ساحة البلد كوسط للمدينة، تلك الساحة الموجودة في خريطة الرياض عام 1866م. تلك الساحة التي يحتلها حديثاً ميدان الساعة أو الصفاة، ماذا لو أعيدت الملامح القديمة لهذه الساحة، ببيوتها المحيطة بها، وسميت ساحة البلد كما كانت قبل قرن ونصف؟!
نحن نحب هذه المدينة التي ولدنا وترعرعنا في طرقاتها، وكذلك آباؤنا، وحتماً أنتم تحبونها مثلنا، لكنكم تختلفون عنا، بامتلاككم القرار، فأعيدوا هويتها وملامحها القديمة.