عندما حدثت قضية نقل الدم الملوث بجازان أشرت إلى أن الخلل يتجاوزكونه مجرد خطأ فردي قام به ممارس صحي هي إشكالية في المنظومة وضبطها إدارياً وفنياً، بشكل يجعل التصريحات والتوجيهات والقرارات والوعود الصادرة من برج القيادة لا تحقق التغيير المنشود ميدانياً. الحدث الجديد في الأحساء ولن يهدأ حتى يظهر لنا حدث آخر في منطقة أخرى. الحكاية أصبحت أشبه بالرقعة المهترئة، كلما صنعت رقعة في جهة ظهر شق في جهة أخرى، وستقضي الصحة جهودها في محاولة ترقيع الثقوب هنا وهناك. حتى إشعار آخر!
وكما حللت تداعيات الخلل الذي حدث في جازان وكونه خللاً في المنظومة الصحية بالذات في مجال نقل الدم وما يتعلق به، سأكتب اليوم عن سلوكيات الصحة وبالذات خلال الفترة الماضية.
إحدى السلوكيات البارزة هي الاستعانة بالخبراء الأجانب، وهو سلوك أصبح متكرراً بدليل بروز الاستعانة بالخبرات الأجنبية كلازمة متكررة في حديث المسؤول، وكأنه الحل السحري، هو أمر إيجابي الاستعانة بأفضل الخبرات، لكن عندما تصبح كل قضية تطرح يستدعى خبراء أجانب ينتهون بالثناء على ما تفعله وزارة الصحة، تكون الرسالة هي؛ إما أننا لا نثق في كوادرنا أو أننا نعلم بأن المواطن لا يثق فينا ونحاول بعث الاطمئنان عبر إحضار شهود من الخارج. أكرر أهمية الاطلاع على التجارب العالمية والاستعانة بآراء الخبراء في المواضيع التي تنقصنا فيها الخبرة، لكن هل فعلاً نستفيد من آراء الخبراء؟ وهل يقدمون لنا في زيارات قصيرة ما يكفي للحكم على القضايا المطروحة؟ هل نستمع إليهم أم نحضرهم ليستمعوا إلينا ويثنون على ما نقدمه نظرياً؟ لقد تعلمت من بعض التجارب بأن حضورهم يتحول إلى شكلي لأن المسؤول يهتم بالصور معهم وبالتباهي بحضورهم أكثر من اهتمامه للاستماع إلى آرائهم الحرة والمحايدة. على افتراض أننا نجيد إحضار من يملك الفكر والتميز في مجاله، وليس فقط من يسوقه لنا الأصدقاء وشركات العلاقات العامة..
لا أفهم جدوى إحضار من يسمون بالخبراء ليطلعوا على النتائج المخبرية ويطرحوا علينا توصيات بدائية وبدهية في الموضوع. وبالإمكان بعثها إليهم عبر البريد الإلكتروني، في حال وجود حاجة فعلية لذلك. هنا أرى القضية تحولت إلى سلوك وثقافة إدارية مكلفة ولن اقول مضللة حتى لا اتهم بالتجني!
الملاحظة الثانية تتمثّل في سلوك الهروب من المواجهة عبر التكثيف الإعلامي في قضايا أخرى بعيدةً عن الحدث، على سبيل المثال بينما كنا ننتظر انتقال معالي وزير الصحة إلى منطقة الأحساء مع بدء ظهور المرض لتوفير الدعم الإداري و المعنوي، كأضعف الإيمان، نجده لا يفعل ذلك إلا متأخراً، بينما ينتقل من احتفال إلى آخر ويكثر التصريحات حول الدعم والمنجزات الموعودة. لا تدري هل هو سلوك متأصل لدى الوزارة أم (تكتيك) للهروب من مواجهة الحدث في موقعه؟ وللإيضاح لكم أن تتأملوا ما يحدث، فبينما الحدث الراهن ومنبع الخوف هو ما عصف بأرواح غالية في الأحساء نجد الصحة تكثر الحديث عن الأموال التي تصرفها على صحتنا وعن مشاريع وخطط موعودة هنا وهناك، وتكثر احتفالات التدشين والافتتاح بشكل مصطنع وممل.
الصحة فقط التي تصنع احتفالية اختيار أرض للمستشفى ثم احتفالية وضع حجر أساس المستشفى وتدشن مشروعاً لازال تجريبياً وتفتتح مستشفى لم يكتمل تشغيله وتستقبل سفراء الدول وتنشر اخبار مجالسها ولجانها الداخلية. لا نرى مثل ذلك في الطرق والجامعات والمياه والبلديات وغيرها من القطاعات، فهل جميعهم لا يعملون؟ هل جميعهم لا يحصلون على دعم المقام السامي ليعلنوا عنه؟ هل جميعهم ليس لديهم خطط ومشاريع يتحدثون عنها؟
متى نرى الحديث الإعلامي يأتي محصلة لاحقة للإنجاز في وزارة الصحة؟
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm