عالمنا اليوم شاسع بالتقدم التقني, وسخي بوعود الحرية المطلقة!
ولكنها في الحقيقة حرية افتراضية كالعالم الذي وُلدت فيه.
رغم التغريد ومكبرات الصوت واليوتيوب وكاميرات ومسجلات الهواتف النقالة، والأفق الخالي من القيود, هو عالم من القيود المعنوية والمسؤولية عما تقول وما ينسب إليك!
ولهذا قانون الحوار الحضاري يسري على الجميع حتى لو بدا فضاء بلا قيود. لا بد للسلامة من قيود ذاتية تتمسك بها كخيوط تهديك في المتاهات فلا تضيع في فضاءاتها الوهمية.
في هذا العالم المعقد عليك أن تعرف نفسك, وتتفهم دوافعك. وتحدد أهدافك, وما تتوقعه من ردود فعل الآخرين, قبل أن تبادر بإطلاق الصوت بكل ما يعتمل في رأسك!
هل تؤمن بأنك إنسان طيب تشارك الآخرين تجربتك وحكمتك؟ وأنك إنسان نزيه لا تطلب من وراء ذلك غير نفع الآخرين؟ وصريح لا تعلن إلا الحقيقة؟
ثم هل يزعجك أو لا تهتم بأن الغير يرى طيبتك غباء، ونزاهتك جبنا أو تصنعا، وصراحتك وقاحة أو بلادة اجتماعية، أو خبثا مصاغا في همز ولمز إن لم يطل القذف والتشهير؟
هل تصنف نفسك عاقلاً؟ داشراً؟ مستهبلاً؟ متمرداً؟ مجتهداً؟ مجاهداً؟ كلها توصيفات متكررة في تعريف المغردين لأنفسهم.
هل ترى نفسك كما تود أن تكون؟ محبا للمغامرات؟ أو شجاعا مبادرا؟ مثاليا؟ طاهرا؟ فاضحا لتقصير الغير؟ أو ذكيا قادرا على التواصل للتوصل إلى أهداف تعرفها لن يحدسها غيرك؟
هل تشعر بالغبن والظلم إذا اعتبر غيرك فعالك خبثا؟ أو تهورا؟ أو تطفلا؟ أو انتهازية؟ هل يوجعك أن تقع طيبتك ضحية منتهزي الفرص؟
هل قيمة الفعل فيه؟.. أم في رؤيتنا له؟ أو رؤية الآخرين؟ أم ما نوهم الآخرين أنهم يرون؟ أليس الإيهام شعوذة مكروهة؟ والإيهام للاستنفار أو التأجيج شبهة يعاقب عليها؟ من هنا جاء قانون الجرائم الإلكترونية ليوقف التجاوزات.
ليست كل الطيور سواء!
بعضها يحلق عاليا في الأجواء ويظل ثاقب الرؤية كالنسور.
وبعضها كالدجاج لا يستطيع - وهو ذو أجنحة أن يطير!
وبعضها يتقافز وينشر أجنحته مستعرضا نقوشها للإغواء
وبعض النقوش بقع لا تعني شيئا لمتذوق
سبحانه وتعالى رسخ التعددية حين خلق الطيور والبشر أجناسا وجعل أشكالها تتفاوت وأصواتها ونغماتها ومناسبات إسماعها متعددة الاختلاف والتفاصيل! بعضها يشقشق بنغمات مريحة ومبهجة كالبلابل، وبعضها يهدل حنينا كاليمام, وبعضها ينعق كالغراب, وبعضها ينعب كالبوم على خراب, وبعضها يتناقض صوته القبيح مع شكله الجميل كالطاووس في الغاب. وسواء ظل الأفق مفتوحا أو أغلق.. ستبقى الطيور؛ بلابلها وغربانها ونسورها وصقورها تحلم بالتحليق في أفق مفتوح ونقي يملأه أوكسجين الحياة.. لا سموم التلوث البشري والغازات الخانقة!
فانتبه.. وأنت تفرد جناحيك كديك متحمس أو كروان مغرد، أو صقر حر، وتطلق عقيرة تعبيرك عن أفكارك ورغباتك..
ثم احتراما للإنسانية جمعاء: لا تلوث بأي فعل أو قول قمئ التسامج هذا الفضاء النبيل الواعد بالتسامح والتسامق. لا يسمح الأفق انحراف الطيور.