Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 19/05/2013 Issue 14843 14843 الأحد 09 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

جاءت العقود الأخيرة من القرن العشرين باختراعات وابتكارات وتطورات في كل مجالات الحياة، وتغيرت معها أساليب المعيشة وأصبحت أكثر سهولة وتطلباً، وأصبح العالم كقرية صغيرة، وكل هذا صنعه الإنسان. وفي ذات الوقت ظهرت مشكلة حقيقية يعاني منها الإنسان المعاصر - نفسه المخترع أو المستخدم للتطور - في كل زمان ومكان، وهي مشكلة القلق والأزمات التي يسببها من ضجر، أرق، انكفاء على الذات، إحباط، أمراض جسدية ونفسية، ومشكلات اجتماعية.. فكيف نتخلص من القلق ونقضي عليه؟ وكيف نعالج أنفسنا منه؟

القاعدة الأولى للتخلص من القلق هي: عش في حدود يومك وحتى النوم، لا تقلق على المستقبل، وهذا لا يعني ألا نفكر في الغد، إنما التركيز على إنجاز ما لديك من عمل يومي وبجدية سيمكنك حتماً من الوصول إلى المستقبل.

القاعدة الثانية: عندما تحاصرك مشكلة ما، فسل نفسك ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لو لم تُحل المشكلة؟، وأعد نفسك للقبول بالأسوأ، ثم حاول بهدوء تطوير ذلك الشيء الأسوأ.

القاعدة الثالثة: ذكر نفسك دائماً بالثمن الباهظ الذي تدفعه من صحتك في مقابل القلق، وتذكر دائماً أنك وبالإرادة تستطيع الوصول إلى السلم الداخلي وسط ضجيج المدينة، وبالتالي حتماً ستحصن نفسك ضد الأمراض العصبية.

القاعدة الرابعة: مرن نفسك على تحديد المشكلة موضع القلق، ثم حللها، وهذا يتحقق ببساطة بأن: تحصل على جميع الحقائق ذات الصلة بالمشكلة، وحذار من اتخاذ قرار قبل جمع المعلومات، وتذكر أن القلق يتبخر في ضوء المعرفة الموضوعية، ثم حلل المعلومات، واتخذ القرار السليم، وقم بتنفيذه... وبغير ذلك ستدور في حلقة مفرغة تفضي بك إلى الجنون.

القاعدة الخامسة: عالج نفسك بالعمل، فنحن عندما لا نكون مشغولين، تكون عقولنا شبة فارغة.. لذا شمّر عن ساعديك وانشغل وستخلص عقلك من القلق، فهذا أرخص أنواع الأدوية على وجه الأرض، وأفضلها على الإطلاق.

القاعدة السادسة: إن الحياة قصيرة فلا يجب أن تكون ضئيلة، فلم ننزعج من الأشياء التافهة التي كان يجب علينا أن ننبذها وننساها، فلنعش حياتنا مع الأحداث والمشاعر ذات القيمة، ومع الأفكار العظيمة، والعواطف الصادقة، والمشاركات المثمرة، لأن الحياة قصيرة.

القاعدة السابعة: إن أغلب ما نعاني من قلق وتعاسة يأتي من خيالنا وليس من الواقع، لذا يجب أن نعي الواقع جيداً حتى لا يدمرنا قلق الخيال.

القاعدة الثامنة: مع مرور عشرات السنين بك وبي، سوف نصادف الكثير من المواقف المحزنة كما هي.. فهي لا تستطيع أن تكون غير ذلك. لقد عقدنا اختياراتنا، فإما أن نقبل بها كأمر محتوم ونكيف أنفسنا معها، وإما أن ندمر أنفسنا بالتمرد الذي قد يُفضي بنا إلى الانهيار العصبي.. فلا تقلق على الأشياء التي تكون فوق طاقتك ورغباتك، وحاول قدر الطاقة أن تحتمل ما ليس منه بد.

القاعدة التاسعة: ضع نظاماً لإيقاف الخسائر من قلقك، قرر هل يستأهل الشيء من أجل القلق عليه، ثم ارفض أن تعطيه أكثر مما يستحق.

القاعدة العاشرة: هناك طريقة واحدة يمكن أن يصبح بها الماضي بناءً، وهي من خلال تحليل أخطائنا الماضية، والاستفادة منها، بل ونسيانها.. فلا تبك على اللبن الرائق، لأنه قد أُريق بالفعل، ولا تنشر نشارة الخشب، لأنها قد نُشرت بالفعل، فهي تشبه الماضي مرت وانتهى أمرها!

من القصص الواقعية التي قرأتها، والتي قهر فيها البطل قلقه وانتصر عليه هي قصة: أنا أبحث عن الضوء الأخضر لجوزيف كوتر، وهذا ملخصها:

في المراحل المبكرة من شباب الكاتب كان مقاتلاً محترفاً، وكان قلقه كثيراً ومتنوعاً، فبعضه حقيقي وأغلبه وهمي، وفي مناسبات نادرة كان يجد نفسه غير قلق على أي شيء، ثم ما لبث أن أصبح قلقاً مخافة أن يكون قد نسي شيئاً يستأهل القلق عليه! ثم قرر أن يتبع طريقة جديدة في الحياة، تتطلب إجراء تحليل ذاتي لأخطائه وللفضائل القليلة التي لديه، أي حصراً أخلاقياً تفتيشياً لذاته، وقد أدى ذلك إلى حدوث كشف واضح لكل ما كان يسبب له القلق. وهو بكل بساطة: أنه لم يكن قادراً على العيش من أجل اليوم الحاضر وحسب، فقد كان متوتراً من أخطاء الأمس، وخائفاً من المستقبل.

لقد قيل له كثيراً وكثيراً إن اليوم الحاضر كان هو الغد الذي قلقت من أجله بالأمس ! لكنه لم يستفد من ذلك. ومن ثم حاول أن يعيش وفق برنامج الأربع والعشرين ساعة فقط ، كما قيل له بأن اليوم الحاضر هو اليوم الوحيد الذي يملك أن يتحكم فيه، وأنه يجب أن ينتهز كل الفرص المتاحة خلال هذا اليوم الحاضر وحسب، كما قيل له بأنه لو فعل ذلك سيصبح مشغولاً لدرجة لا يكون لديه وقت للقلق عن أي يوم آخر ماضياً كان أو مستقبلاً.. وكانت نصيحة منطقية، لكنه وجد صعوبة بالغة في تنفيذها لقناعته بأنها آراء مهترئة غير قابلة للتنفيذ، فنسيها وعاود مسيرته الأولى.

وفي أحد الأيام، كان يقف على رصيف إحدى محطات السكك الحديدة، وكان الزحام شديداً، وبدلاً من الصعود إلى القطار مشى على القضبان باتجاه مقدمة القطار، وبدأ ينظر إلى ماكينة القطار، ثم نظر بامتداد القضبان فرأى سيمافوراً ضخماً يصدر عنه ضوء كهرماني اللون، لم يفتأ أن تحول إلى اللون الأخضر الزاهي، والسيمافور هو سارية تُنصب في محطات السكة الحديدية، في أعلاها ذراعاً متحركة يشير انخفاضها إلى خلو الطريق من الموانع لتحرك القطارات. وفي تلك اللحظة بدأ مهندس المحطة يدق الجرس وسمع صاحبنا عبارة: إلى القطار، وخلال ثوان قليلة تحرك ذلك القطار الضخم في رحلته إلى محطته الأخيرة الواقعة على بعد 2300ميل.

تحركت الأفكار في عقل صاحبنا.. وفجأة سطعت في ذهنه الإجابة التي كان يبحث عنه وكانت سبب مشاكله، فالقطار كان يبدأ الرحلة بمجرد ضوء أخضر يسطع من السيمافور، ثم يتوقف عندما يسطع الضوء الكهرماني.. نظام إشارات جيد! وبدأ يسأل نفسه: لماذا لا أضع لحياتي نظاما إشارات جيدة؟ لماذا لا أبحث عن الضوء الأخضر؟ فإذا كان الله خالق الأضواء الخضراء فلما لا نطلبها منه؟ وهذا بالضبط ما فعله.. وأصبح يصلي في الصباح للحصول على الضوء الأخضر بما يكفيه طوال اليوم، وعندما يواجه ضوءاً كهرمانياً كان يبطئ من سرعته.. ومنذ ذلك اليوم لم يصبه القلق، وأصبحت رحلة الحياة أسهل كثيراً وخالية من القلق، وأصبح يعرف ما يجب عليه فعله..

من أهم كتب التنمية البشرية التي ناقشت موضوع القلق باستفاضة، كتاب (دع القلق وابدأ الحياة)، لمؤلفة ديل كارنيجي، الذي ذكر فيه خلاصة تجاربه ومعلوماته، ونتائج مقابلاته مع الكثير مع الشخصيات النابهة في مختلف دروب الحياة، ليس هذا فقط، بل إنه أثرى الكتاب بتجارب عملية تطبيقية قام بها من خلال محاضراته، حيث زود طلابه بمجموعه من القواعد عن إيقاف القلق، وحصل على نتائجها منهم.. إذن فهذا الكتاب هو مجموعة وجبات ناجحة ومجربة زمنياً لتخليص حياتنا من القلق.. وأنا شخصياً أنصح الجميع بقراءته، ولكن... احذروا من القراءة بدون استفادة وتطبيق، فالتنفيذ العملي هو الطريقة الوحيدة التي ترسخ المبادئ في العقل، وتجعلها واقعاً ممارساً، وإلا ستنساها بسرعة.

الرياض

القلق حصاد العصر
دانة الخياط

دانة الخياط

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة