** من اطلع منكم على التقارير التي نشرتها مؤخراً وزارة التعليم العالي، تلك التي تعرض لعدد ووجهات أبنائنا وبناتنا المبتعثين للدراسة في خارج البلاد..؟
** يتوزع أكثر من 150 ألف طالب وطالبة اليوم، في عدد من الدول العربية، وفي 12 بلداً غيرها في قارات العالم
شرقه وغربه، ففي الولايات المتحدة الأميركية وحدها، قرابة المائة ألف مبتعث ومرافق.
** يأتي ذلك ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للابتعاث والدراسة بالخارج، بينما تخرَّج في إطار هذا البرنامج الإستراتيجي حتى اليوم، 47 ألف طالب وطالبة.
** الأرقام مفرحة للغاية، والنتائج بحمد الله مبهجة، والبرنامج جاء منذ البدء، مؤسساً لبنية بشرية منتجة، مؤهلة علمياً وإدارياً للمرحلة النهضوية القادمة، التي أرادها (الملك المفدى عبد الله بن عبد العزيز) حفظه الله، ويرقبها الشعب السعودي بفرح وشغف كبيرين. مرحلة تأخذ بكافة الأسباب والوسائل المعاصرة، من أجل توطين المعرفة، وتثبيت ثقافة العلم والعمل والإنتاج، من خلال مؤسسات معرفية وصناعية واقتصادية عملاقة، ظهرت بوادرها مع تأسيس المدن الصناعية في عدد من المناطق الإدارية في المملكة، وفي نشر التعليم العام والعالي، حتى ارتفع عدد الجامعات في ظرف ثماني سنوات، من سبع جامعات، إلى قرابة الأربعين جامعة، بين عامة وخاصة، ووصل التعليم العالي إلى عشرات المحافظات في عدد من المناطق الإدارية.
** هذا البرنامج الطموح الذي أسسه ويرعاه المليك المفدى منذ عدة سنوات، جاء تصحيحاً لخطأ جسيم وقعنا فيه يوم أوقفنا الابتعاث الدراسي، تأثراً بما كان يمليه علينا المنظرون المتطرفون، من تحذيرات وتخويفات وتهويمات، مفادها الخوف على أبنائنا في بلاد الغرب، في الوقت الذي كانوا فيه يحضون ويشجعون على الابتعاث بطريقة مغايرة، ولأهداف أخرى على رأسها الجهاد في زعمهم، في مناطق مشتعلة في أكثر من قارة حول العالم..!
** مع مرور الوقت، اتضح لنا جسامة الخطأ المرتكب في حق الممنوعين من الابتعاث للدراسة والعلم، والمدفوعين للابتعاث للقتل والاقتتال معاً..!
** يا لمرارة هذه التجربة، التي وإن تعلَّم منها البعض، إلا أن البعض الآخر ما زال يصر على جهل، ويكابر على مرض وهوى، فلا يمر يومٌ، حتى نجد من يتصدر منتقداً برنامج الابتعاث، وأن فيه مفاسد وأضراراً عظيمة كما يزعم..! ثم يجتهد في حشد الكثير من الحجج الواهية على ما يدّعيه وما يوهم به في هذا الموقف، وهذا الدّعي وأمثاله، لا يتطرقون إلى الابتعاث الآخر الذي يحبذونه ويحضون عليه، بل ويحرضون أبناء الغير ويغررون بهم من أجله، دون خاصتهم من أبنائهم ومن يحبون ويعولون..! غير عابئين بالنتائج الوخيمة لأفعالهم هذه، التي لا تتفق مع فقه شرعي سليم، ولا تتوافق مع سياسة وطنية لبلدهم وشعبهم..!
** يقولون في أمثالنا: (الجمل ما يشوف عوجة رقبته)..! والذين يعادون برنامج الابتعاث للخارج من أجل الدراسة وتحصيل العلوم النافعة، ومن ثم يؤلبون عليه من وقت لآخر، هم من دعاة الابتعاث للخارج، ولكن ليس لتحصيل العلم النافع الذي نعرف، وإنما للتدرب على صنع القنابل والمتفجرات، وممارسة القتل باسم الجهاد الذي يدّعون ويزعمون، فهلا عاد هؤلاء الناس إلى رشدهم، ورجعوا عن غيهم، والتفتوا إلى رقابهم المعوجة، ليدركوا جسامة الخطأ الذي هم فيه..؟!
** إذا كان لبعيرنا رقبة معوجة لا يراها، لأنه لا يريد أن يراها، فله سنام بارز جلي، لا ينكره أحدٌ شاء أم أبى.. له عشرات آلاف الطلاب والطالبات، الذين يجهدون في تحصيل العلوم الحديثة والمعارف من مصادرها في بلدان كثيرة، والابتعاث من حيث المبدأ، هو تحصيل علمي، واحتكاك ثقافي لا يخلو من فوائد جمّة، ومن أهم هذه الفوائد وأظهرها، هو العمل على تغيير صورتنا في الذهنية الدولية إلى الأفضل، ونشر الدين الإسلامي السمح بالالتزام والقدوة الحسنة.
** إن التطوير والتغيير نحو الأفضل، لا يتأتى للناس وهم قابعون داخل حدودهم الجغرافية، حتى لو توفروا على أرقى الجامعات وأفضل المعاهد والكليات.. فوائد ومنافع الابتعاث لا تُعد ولا تُحصى، وإذا ظهرت حالات سلبية على أفراد قلائل من عشرات آلاف المبتعثين، فهذه هي الحالات الشاذة التي تؤكد القاعدة، وبقي على المشككين والمثبطين والمهبطين، أن ينظروا إلى رقابهم المعوجة أولاً، ثم يتحسسوا سنام البعير بكل شفافية ومصداقية.
H.salmi@al-jazirah.com.saassahmhm@gmail.com