كتبتُ كثيراً في هذه الجريدة الغرّاء، عن الإعلام السعودي بمختلف وسائله، المرئية والمسموعة والمقروءة، وبعض مقالاتي تشير ولو بطريقة غير مباشرة إلى «الفروقات» في التعاطي مع الأحداث والمستجدات التي تجري وتطرأ في عالم اليوم مقارنة بالماضي، عالم اليوم الذي يصح أن نطلق عليه عالم «المتغيرات» في كل جوانب الحياة ،السياسية وهذه بالطبع على سلّم الأولويات، يتبعها الاجتماعية ومعها الاقتصادية والثقافية، ولعلنا نقول بلا استحياء الدينية، وهذا الحكم «التغيّري» لا أخاله ينسجم بالتمام والكمال، إلا مع صاحب السلطة الرابعة (الإعلام) وأي إعلام يا ترى؟ إنه الإعلام المسيس والمؤدلج والتجاري الذي استطاع أن يقولب هذه الجوانب حسب رغبته وهواه، ويبسط عليها مؤثراته القوية، لكن لا يسبر ذلك، غير المنصف، أما من ينظر بعين رمادية، فيكفيك فلتات لسانه، تكشفها مقالاته وتغريداته ، تقف باحترام للإعلام السعودي الثابت على المبدأ، والمتحرك نحو التحديث والتطوير ومجاراته لتقنيات العصر الحديث وإنسانه، ذلك العنصر البشري الذي بات هو في سباق محموم مع الإعلام «كصناعة» نعم الإعلام السعودي، إعلام له قواعده الراسخة وله سياسته المعتمدة والمنبثقة من السياسة العامة للدولة، فالسياسة الإعلامية للمملكة تتكون من ثلاثين مادة، مصاغة في مجملها، باحترافية متناهية، معتمدة على منهج الدين القويم وشرع الله المطهر، وغير مرّة تطرقت في بعض مقالاتي لأهم مواد السياسة الإعلامية للمملكة، وفي هذا المقال قد نتعرض لشيء مما له علاقة بأهم مواد هذه السياسة ،والمتابع للإعلام السعودي بشكل عام، يشعر بالطمأنينة وعدم الاضطراب والازدواجية، وفي سلّم أولوياته، تجاهله لكل ما يتعارض مع مواد سياسته، رغم النقد الجارح له أحياناً، خاصة من البعض الذي ينظر في هدوئه وتأنيه وقت الأزمات، نظرة ضعف، جرّاء عدم مواكبة الحدث والتعاطي معه، ومقياسه الذي يبني عليه نظراته ومنطلقاته واتهاماته، هو «الإعلام الآخر» صاحب التوجه الموجه والذي بسببه قُلبت المفاهيم السليمة في أساسها، ما علينا، طلاّب الخير والساعون في بوتقته، يرون في الإعلام السعودي، الأمانة في النقل، والصدق في الحديث، والبعد عن المهاترات والنأي به عن دواعي الإثارة والتحريض والتأليب والعصبية - أدوات إعلام الغير، الذي يعتبرها ومتابعوه، معيار الجرأة والقوة - هذه هي خارطة الطريق التي يسير في حدودها (الإعلام السعودي) منذ نشته، ولمّا قلتُ في بداية هذا المقال: إن الإعلام السعودي، متحرّك وغير جامد، يواكب التقنية والمتغيرات، تُبذل من أجله الأموال الطائلة وبسخاء، فإنه شهد في هذه الحقبة، تغيّراً ملحوظاً في شكله ومحتواه، مع احتفاظه بثوابته، وأعني بها، سياسته الإعلامية، المعتمدة «السيادية» المتابع الجيد، لقطار الإعلام السعودي في هذه الفترة، يشعر أنه يسير بخطى حثيثة تسابق الزمن، لا يضره الغبار الثائر من جنباته، بدأت طوالع هذه الخطى، منذ عام1424هـ، عندما صدر القرار الوزاري رقم(141) وتاريخ 28-5-1424هـ المتضمن في فقرته (الأولى) نقل النشاط الثقافي - من الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة التربية والتعليم - إلى وزارة الثقافة والإعلام، وتضمن في فقرته (الخامسة) تحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسستين، يكون لكل منهما، شخصية اعتبارية، ومجلس إدارة يرأسه وزير الثقافة والإعلام، وهذا القرار ظلّ قائماً دون تفعيل، فترة طويلة، حتى أصاب البعض اليأس من تنفيذه، وبمجرد استلام الدكتور(عبدالعزيز خوجه) حقيبة هذه الوزارة، وكنت (شاهدا على العصر) ولست كما قيل ( شاهد ما شافش حاجة) قاد أول حركة لمعاليه، بانتفاضته المعروفة، لبث الروح من جديد في هذا القرار الوزاري، وعمل بقوة متناهية من أجل إحيائه، حتى تحقق له بفضل الله، هذا الأمر، وبات واقعاً من وقائع الإعلام السعودي المعاصر، فصدر القرار الوزاري رقم (218) وتاريخ 7-7-1433هـ القاضي في فقرته (الأولى) بتحويل الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة عامة تسمى» هيئة الإذاعة والتلفزيون» وتضمن في فقرته (الثالثة عشرة) تحويل وكالة الأنباء السعودية إلى هيئة عامة، تسمى» وكالة الأنباء السعودية» ولم يكتف الوزير (خوجه) عند هذه (الفاصلة) كونه لا يؤمن (بالنقطة) باعتبارها من النهايات، بل جسّد سعة أفقه ونظرته الواسعة، وقبل ذا وذاك، اهتمامه بالأمانة التي حمّلتها إياه القيادة الرشيدة، فسعى إلى إنشاء «هيئة للإعلام المرئي والمسموع» تضطلع بتنظيم نشاط البث الإعلامي المرئي والمسموع وتطويره ومراقبة محتواه، وبذل جهده، ليكون هذا الأمر من وقائع الإعلام السعودي المعاصر أيضا، فحقّق الله مراده، وصدر بهذا الشأن القرار الوزاري رقم(236) وتاريخ21-7-1433هـ القاضي بفقرته (الأولى) بإنشاء هيئة عامة تسمى» الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع» وما يهمني في هذا الأمر، هو حرص القيادة الرشيدة على التمسك بأهداالدين، وتناغم فقرات هذين «القرارين الوزاريين» مع مضمون مواد السياسة الإعلامية للمملكة، فقد اشتملت جميع فقرات هذين القرارين الوزاريين، على التأكيد على ما نصّت عليه «السياسة الإعلامية» للمملكة ومنها تنمية القيم الدينية والاجتماعية والثقافية في المملكة، المستمدة من الشريعة الإسلامية وإبرازها، ويلحظ المتابع الفطن أن الوزير الدكتور «خوجه» توج جهوده في هذه الهيئات المستقلة عن وزارته مع ترؤسه لمجالس إداراتها، أن اختار لها شخصيات إعلامية هادئة ومؤهلة، ذات خبرات تراكمية، ستضفي عليها طابعاً كله حيوية ونشاط وجدية، وكأني بالوزير خوجه لن يترجّل من وزارته، إلا وبصماته مذكورة له على مرّ الأجيال، يُشكر عليها، هذا «العلم» يهمّه في المقام الأول (العمل) لا غير، لا يتوانى في حالة شعوره بالتقصير من اتخاذ قراره المناسب في الوقت المناسب، فالمجاملة على حساب مصلحة العمل ليست في أجندات هذا الوزير، على الإطلاق، وهذا - لعمري- سرّ من أسرار نجاحاته المتتابعة، بعد توفيق الله له، ودعم القيادة الرشيدة له، ولا غرو إن قلتُ بحقه في مقال سابق، أنه الوزير» الاستثنائي» تحكي ذلك بصماته الجليّة، وكل ما ذكرته عن الإعلام المرئي والمسموع ينطبق بتمامه على الإعلام المقروء الذي يتولى زمامه نخبة من أهل الفكر والحصافة، ممّن يعي مسئولية الكلمة وأمانتها، والذي أريد أن أصل إليه، هو القول أن الإعلام السعودي في مجمله، خلال السنوات الأخيرة، بات يعيش «ثورة ربيعية» واقعية، ليست خيالية، من أبرز سماتها، مساحة الحرية التي منحت له، والتي أثمرت عن برامج تلفزيونية وإذاعية «حوارية» جيدة، وحراك ثقافي واسع في وسائله المتنوعة، هذا باختصار، واقع الإعلام السعودي المعاصر، في هذا العهد الميمون،... ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com