نحمد الله أن هيأ لهذه البلاد المباركة علماء أجلاء جهابذة ربانيين، ارتووا ونهلوا من معين الله الذي لا ينضب ألا وهو وحي الله الطاهر القرآن الكريم، وثنوا بذلك العكوف على دراسة السنَّة الشريفة المطهرة الصحيحة، وثلثوا بذلك اقتفاء سلف صالح ما من خير إلا وأرشدونا إليه وما من شر إلا وحذّرونا منه. فهذه المصادر المتضافرة أفضت بعلمائنا إلى علم غزير ومعرفة نيّرة وفكر خلاق، فالسعادة تغمرنا نحن مواطني البلد ونحن نتلقف من هؤلاء العلماء في بلادنا أمور ديننا التي تدلف بنا إلى سعادة الدارين.. فالفضل كل الفضل والشكر كل الشكر لعلمائنا والشكر موصول لولاة أمرنا الذين شدوا على أيديهم وساندوهم بِكلِّ صامت وصاهل.
علمائي الأفاضل إني أملك عدَّة ملاحظات أبعدت النجعة عن أصحابها، علمًا أنهَّم حَسَّنوا النوايا ولا يريدون إلا الخير فذهبوا ينشدونه أنى كان، ولكن ربَّما مبتغٍ للخير لم يبلغه، إن هؤلاء أحيانًا يبعدون النجعة في ملاحظاتهم وهؤلاء أقصد بهم الوعاظ ومدرِّسي طلابنا في التَّعليم العام!
إن الناشئة حينما يكونون تحت أيدي معلميهم ومعلماتهم في التَّعليم العام لا سيما المرحلة الابتدائية فإنَّ بعض المعلمين وخصوصًا معلمي العلوم الدينيَّة أحيانًا يقحمون الناشئة بمعلومات دينية أحيانًا وهم في مثل هذه السن لا يدركون ما يقال لهم وليس لديهم ملكة الاختيار والتمحيص لصغر السن! فإنّه في مثل هذا العمر لا يفاضل بين هذا وذاك ولا يعلم الراجح من المرجوح، بل يأخذها على أنَّها تعاليم حالفها الصَّوَاب ولا شكَّ وخصوصًا إذا كانت صادرة من المعلم.. هذا أولاًَ وثانيًّا أن الناشئة في هذه السن لا يتوقعون أن تلك الأمور التي قيلت لهم إلا أنَّها في سياقها الصحيح..
لا أريد أن ابتعد كثيرًا عمَّا أنا بصدده، فأنا في مقالي المتواضع أناشد علمائي الأفاضل تصحيح مثل هذا المسلك، فمن أراد أن يعلم الناشئة أن يتحرّوا الدِّقة والصَّوَاب فيما يقولون.
إن بعض المعلمين والوعاظ -هداهم الله- من واقع حرصهم على هذا الدين يذهبون ويسوقون تعاليم دينية تربك الناشئة في مسيرتها في هذه الحياة، فلو كانت صائبة مثلاً فإنّ طرحها على الناشئة في سنِّ صغيرة ربَّما أنهَّم لا يعون مناط الدين بها، فمثلاً يقول المعلمون للناشئة عن عذاب القبر: إنّه فيه كذا وكذا من العذاب الأليم! أو يقولون من سلك طريقًا لا يحبذه الدين فعليه لعنة الله والنَّاس أجمعين.
إن سوق مثل هذه التعاليم الدينيَّة لطفل لم يدرك مفهوم الدين بعد تجعله في حيرة وتشنج من أمره، ولكن لو أن المعلمين والوعاظ يبيِّنون أن الله بعباده رحيم وأن رحمته كتبها على نفسه وأنها سبقت عقابه فإني لا أرجم بالغيب من هذا المنطلق أن المُتلقِّي لهذه التعاليم المعتدلة أن الدين سوف يكون مراده.
إن تقديم ديننا بقالب يسير لا حرج فيه ولا مشقَّة لكفيل باتباعه. أين أنتم من ذلك الشاعر العربي الذي أوغل في الفسحة والراحة تجاه دين الله تعالى حيث قال:
إلا اثنتين فلا تقرّبهما أبد
الشِّرك بالله والإضرار بالناس
إن شاعرنا لا يبتعد كثيرًا عن مفهوم الدين وما يطالب النَّاس به، إنّه يجب علينا تجاه الناشئة أن ننمي حب الله في أنفسهم ذلك الحب الذي ينبثق منه تقدير الله حق قدره.. فالعبادة المحضة هي التي تقوم على ركنين أساسيين المَحَبَّة والإجلال قال تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) إن هذين الركنين في العبادة لهما وجهان لعملة واحدة وهما كجناح طائر.
إن زراعة الخوف الذي يتعدى أطره ومبتغى الشرع منه لهو نذير بأن يجعل لنا عبادة غير مُتَّزنة، يكون صاحبها خالي القلب من الرغبة!!
ولكن يجب علينا عندما نستعمل الخوف رادعًا فإنّه حري بنا أن نزرع جزاء الله وثوابه لعباده، فالله لطيف بعباده، إني أهمس في هذا المقال في أذن كل معلم غيور وواعظ صادق أن يقدَّموا ديننا بطريقة سهلة تنأى عن التكلف، كما أنَّه والحالة هذه يجب ألا يقدم للناشئة إلا تعاليم تتوكأ على مفهوم هذا الدين الصحيح.
إن الناشئة أحيانًا يتشنجون بسلوكهم جرَّاء ما يُلقى عليهم أحيانًا من تعاليم جانبها الصواب، فتتصادم الناشئة مع أهلها وذويها لا سيما حين لا يجدون أن تلك التعاليم خلا وجودها في بنية الأسرة والمجتمع، ما أريد أن أنفذ إليه يا علمائي الأفاضل هو أن تأخذوا بيد هؤلاء إلى المسلك الصحيح..
دمتم قرة أعين لهذا الوطن ولولاة أمره تأخذون بأيدينا إلى سواء السبيل.