لا توجد بين أيدينا إحصائيات ترصد معدلات الأخطاء الطبية من واقع علمي ومهني بدقة وحرفية. وتفيدنا الأرقام في تقييم مدى حجم المشكلة واتساعها، وبين أقاويل الناس وأحاديثهم التي ترجع وفاة أعزائهم أو إصابتهم بعوارض صحية إضافة لما كانوا يعانون منه إلى الخطأ الطبي، دون معرفة حقيقية بأسباب تدهور الحالة أو تطورها السلبي أو ما يسمى الانتكاسة الصحية، والتي قد تكون لأي سبب من الأسباب.
والأخطاء الطبية واقعة وموجودة، ولا مجال لتجاهلها بل إنني أدعو لتطوير آليات الرقابة والتحقيق والتقصي، وأن تكون هناك جهة متخصصة ذات مهنية كبيرة في هذا المجال، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وصلت نسبة حالات الوفاة نتيجة الأخطاء الطبية إلى معدلات عالية سنويا تقدر بما يقارب 98.000 حالة وفاة سنويا.
ورغم هذا فإن هناك التباساً لدى ذوي المرضى أو المرضى أنفسهم حول هذا المفهوم، فبات الطبيب المعالج وكأنه في حالة دفاع عن النفس وعن مهارته الطبية وعن الخطوات العلاجية التي سلكها لعلاج الحالة التي بين يديه. على سبيل المثال الطبيب المعالج يجهز مريضه لإجراء عملية جراحية، ويقوم بكل الخطوات المتعارف عليها عالميا في مراجعة ملف المريض وعمل جملة من التحاليل وغيرها كثير، إلا أن المريض وهو بين يديه يحدث له أي عارض كارتفاع ضغط الدم أو تدهور حالته لأي سبب من الأسباب - وهي أمور بيد الله وحده - الذي يحدث أنه يتم اتهام الطبيب بأنه اقترف خطأ طبي سبب مضاعفات للمريض، ومع الإيمان والاعتقاد بأن الأخطاء واردة كما أسلفت، إلا أننا نعلم وكل ممارس طبي يعلم أن هناك أموراً خارجة عن الإرادة البشرية تقع وتحدث.
المريض وذووه - ومع التقدير لحالتهم النفسية - لا يتفهمون هذا البعد، فتحدث مطالبة بتحقيق ومحاكمة للطبيب المعالج، ويتم فعلا إخضاع الطبيب لمراجعة وتحقيق ويكتشف أن جميع الإجراءات العلاجية والتجهيز لغرفة العمليات وغيرها من بنود والتزامات قد تمت بحرفية ودقة، إذن ما الذي حدث؟ من هذه الجزئية أسلط الضوء على مفهوم الخطأ الطبي، فمن خلال موقع ويكيبيديا نجد تعريفاً سهلاً وعلمياً وغير معقد يقول: «إن الأخطاء الطبية (بالإنجليزية: Medical error) هي عبارة عن أخطاء يتم ارتكابها في المجال الطبي نتيجة انعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطبيب الممارس أو الفئات المساعدة أو هي نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج أو نتيجة حالة طارئة تتطلب السرعة على حساب الدقة أو نتيجة طبيعة العلاج المعقد».
في الإطار نفسه نؤكد على مهارة وتميز ويقظة الضمير لدى الأطباء عموما ولدى الطبيبة والطبيب السعودي بصفة خاصة، ولعل ما يحمي الجميع هو وجود هيئة أو جهة ذات فعالية أكثر وإجراءاتها أكثر سهولة وبساطة، وتكون موجهة للمواطنين وتخدمهم وتتقصى شكوكهم وتبحث تساؤلاتهم، ويكون لها الحق في مراجعة ملف أي مريض والتواصل مع أي طبيب، ويكون أعضاؤها من الأطباء الذين يملكون خبرة طبية كبيرة وإدارية، وفي هذا الإطار يمكن الاستفادة ممن أحيل للتقاعد أو قرر التوقف عن ممارسة العمل الطبي بعد مضي سنوات طويلة امتلك خلالها الخبرة الطويلة.
نحن كأطباء بحاجة فعلية لجهة تكون محايدة تخبر المريض أو ذويه بطبيعة العمل الطبي، وتبحث بشكل مبدئي عن خطوات العلاج والتعامل مع الحالة. ورغم أن تضخيم الأخطاء الطبية والحديث عنها بكل هذه العمومية يعد أمراً مربكاً وفيه ظلم فادح لنخب من بنات وأبناء بلادنا وفيه أيضا ظلم فادح لكل هذا الدعم وهذه المشاريع الصحية في بلادنا، وفي الحقيقية هي أقاويل وأحاديث لا تمت للواقع بأي حال من الأحوال، إلا أنها تبقى واقعاً يجب التصدي له بمزيد من العمل لإصلاح الخطأ الرئيسي في هذا الإطار وهو مفهوم الخطأ الطبي نفسه، ليس لدى الناس بصفة عامة فهم لهذا البعد، وفي ظني أن حتى النخب من المجتمع والتي يفترض فيها الثقافة والمعرفة تحتاج لتوضيح ومعرفة في هذا الجانب.
أستاذ مساعد ورئيس وحدة الجراحة العامة بكلية الطب جامعة الملك سعود