ُيخدر بعض المسلمين أنفسهم لكي لا يواجهوا ألم الحقيقة. فالحقيقة أن ثقافتهم الإسلامية التي يعيشونها لم تعد صالحة اليوم ويتعامون عن هذه الحقيقة ويحرفونها بإلقاء اللوم على الآخرين، و بأن حال المسلمين المتردي هو خطأ في التطبيق لا في المنهج. وما أدركوا خطورة معنى تسلية النفس بهذه الحجج. فكل منهج حين يفشل في التطبيق فهو دليل على بطلان المنهج. وكل أمة تتلاعب بها الأمم الأخرى وتقودها بالمكائد والحيل قيادة الصبي للقطيع هي أمة أسيرة لثقافة ينبغي إعادة النظر فيها. هذه الثقافة هي التي مكنت أعداءها بأن تلهو بها لهو القط بالفأر. أفلا يتوقف هؤلاء عن خداع أنفسهم وتسفيه عقولهم وعقول أبنائهم ويتفكرون فيعترفوا بأن منهجهم المبني على فقه رجال الدين قد أُعطي فرصة تجربة واسعة في الزمان والمكان.. فما زاده طول الزمان وتغير المكان والوجوه والأشخاص إلا سوءاً بعد سوء..؟.
فالحقيقة أن الخلافة التي يحلمون بتطبيقها اليوم على شكل انتخابات ومجالس تشريعية وفترات رئاسية ووحدة فدرالية هي نظام ليس متفقاً مع أساسيات الخلافة، بل إن ما يدعون إليه هو النظام الديمقراطي الغربي الذي سرقه بعض الإسلاميين وحرفوا اسمه إلى الخلافة.
والحقيقة أن نجاح اقتصاد تركيا وماليزيا هو الذي جعلهما دولتين إسلاميتين يضرب بهما المثل عند المسلمين، لا لفرضهما لفقه الفقهاء على الناس. وأن فرض فقه فقهاء المرجعيات هو الذي نبذ إيران الصفوية وطالبان السلفية.
والحقيقة بأن فقه المعاملات الاقتصادية اليوم القائم على التقليد أو على فقه المفاصد المزاجي والأساطير هو فقه عاجز وقاصر وظالم ومعطل للنمو. فدخل الدولة الإسلامية قائم على الغزو والغنائم والخراج. واقتصاد الناس قائم على الإقطاع والعبودية. والزكاة وإن كانت صالحة لاقتصاد ريعي إقطاعي إلا أنه لا يقوم بها اقتصاد صناعي يلزم من شكله انحسار أوعية الزكاة كما يلزم لاستمراره وجود طبقة وسطى، والتي لا تتواجد إلا بفرض الضرائب، والتي هي محرمة في نظام سياسي يحكمه فرد مطلق كنظام الخلافة.
والحقيقة بأن بعض المرجعيات الدينية هي من تقليد النصارى واليهود. ولذا لا تخرج بعض المؤتمرات الدينية الإسلامية بشيء. فرجال الدين في المرجعيات في الغالب إما مقلدون أو مسيسون أو لا صوت لهم. فالخارج عن المألوف يُعاقب بكتم علمه وإخراجه من حوزة المرجعية بإسقاطه بيد السياسي أو من أعين الناس.
متى يستيقظ المسلمون ويدركوا أنهم ودينهم ضحية بعض الفقهاء؟.. ففقهاء التقليد بتحجرهم وجمودهم دفعوا الناس دفعاً إلى فقهاء المقاصد. وفقهاء المقاصد جعلوا نصوص الشريعة مزاجية لا ضابط لها إلا تصوراتهم عن المقاصد الإنسانية العامة التي تتفق الأمم جميعها عليها والتي تتلخص في منع الظلم والغرر وحفظ المال والنفس وتحقيق العدالة. فالأمم المتقدمة اليوم ضبطوا المقاصد بالواقع والتجربة العلمية. وأما نحن فهجرنا نصوص الشريعة، التي لو اتبعناها لوفرت علينا عناء التجربة والبحث، لكننا حرفناها بدعوى المقاصد وسد الذرائع. فأصبح بذلك دين فقه فقهاء المقاصد، يسمى دين المقاصد. هذا الدين البشري، قد سبقنا الغرب كثيراً في تحديد معالمه وضبط قواعده.
متى يخرج في المسلمين من يحمل هم الإسلام والمسلمين وهم شرف تراثهم وأنسابهم فيعيدهم إلى الكتاب والسنة، والالتزام بالاستنباط منها على القواعد الأصولية المنضبطة المنطقية البسيطة، التي هي واضحة تماماً في طريقة استنباط الصحابة رضي الله عنهم للأحكام والنصوص الشرعية. متى يدرك المسلمون حقيقة بأن ديننا ما عاد دين الأميين البسيط الذي يفهمه الصغير والكبير. ومتى يدرك المسلمون بأن إخراج أذكياء المسلمين من علماء الطب والهندسة والاقتصاد من حوزة العلم الشرعي بتجهليهم من صغرهم في دينهم وأيهامهم بأنهم عاجزون عن فهم دينهم هو عدوان وظلم للشريعة، وهدم لاقتصاد الأمة الإسلامية.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem