أهل مكة بأجيالهم المختلفة، لا يزالون يُمتَّعون بأرواح شفيفة تتعلق بالدعاء كثيراً..،
وبالذكر شغفاً ما استحكمت ساعات يومهم في حلقتها..
كلما اقترب رمضان شغفوا أكثر بالاقتراب..، تبادلوا الأمنيات في أجمل الدعوات..، والزيارات بأصدق العبارات.. لأن يبارك الله لهم، وللمسلمين في أيام رجب..، وشعبان..، وأن يبلغهم رمضان.. يتسابقون أيهم يسبِّح ربَّه أكثر، ويستغفرربَّه أكثر، ويصلي على نبيِّه الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم أكثر..؟!
عادة جميلة أن يكون التنافس في العبادة، والذكر ديدناً محموداً، وتنافساً مفرحاً، غاياته سامية, والسعي به إن شاء الله مقبولاً..
وهم أيضاً إن انصرفوا يستعدون بالجديد المفعم بالفرح، من آنيات للمشرب والمأكل، وسجاجيد للصلاة، وبخور للمكان بزكي عبق الشهر الكريم في بيوتهم..، فإن الإمعان في الترحيب برمضان بينهم هو تعبير عن قدسية الشهر العظيم بأيامه, ولياليه.. ومحبة له يقربهم من الله أكثر..
ما يلاحظ عليهم هو أن هذا الميراث مضمخ بمحبتهم لما تعودوه من الحفاوة بالأيام الحرم الفضيلة في الشهر اليتيم من العام كله، وبحرصهم على إحياء هذا المسلك المعتاد تلقائياً, بعفوية المكيين, وفطرتهم ذات السجية الإيمانية في كل بيت، وبين كل جماعة..
فأنت إذا ما قدر لك أن تنزل بهم في هذه الشهور فلسوف تجدهم قد شمروا لرمضان منذ دخول رجب.. واستقبلوك ببشاشة يشاركونك التعبير عن ذلك بألفاظهم العذبة، كما التي يستقبلون بها الغيث، ويتبادلون بها الأنس يقولون لبعضهم: «آنستكم الرحمة».. وأي أنس أحلى من الأنس بعطايا الله الكريم, ورحمته تعالى..؟..
سُنَّة حسنة يتبعها المكِّيون، بما فيهم صغارهم الذين شبوا في زمن الصقيل, والفاره, والمثلج، والفسفوري، وما تخطى الأثيري إلى ما هو أبعد.., وما تبدلوا أبداً..
نعم, النازل بأهل مكة في هذه الشهور الحُرم، يدرك كم هي ثابتة هذه المحبة في النفوس، راسخة في العادات، مبهجة للأرواح.. تتنطق على الألسنة، تتمثل في السلوك.. تتبدَّى في لَحَظ العيون، ونهْج الاقتراب..
لها نكهة مكة، وعذوبة قطْر دوارق زمزم المبخر, الذي لا تزال حروف كلماتي عبقة بزخمه منذ سنة مضت، حين كان الحديث عن المُبخَّر منه بالمستكى..!
لله درك مكة يا موطئ الخير، ومنزل القلب..
ومُقام الأهل, والقربى، مسكنهم، ومدفنهم..
بارك الله للجميع رجب, وشعبان، وبلغنا جميعنا رمضان راضين مرضيين..، ساعين مقبولين..
وحفظ على ألسنة المسلمين والمسلمات ذكره, وفي القلوب محبته، وفي منازل اليقين الإيمانَ ثابتاً مكينا.. آمين.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855