نشرت هذه الجريدة خبراً جاء فيه: ( قالت الولايات المتحدة إنها أصيبت بالهلع بعد مشاهدتها لمقطع فيديو مصور يظهر فيه أحد قادة المعارضة السورية وهو يأكل قلب وكبد احد عناصر الجيش النظامي السوري بعد قتله.. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية باتريك فينتريل: إن مثل هذه الأعمال الطائفية الوحشية تشكل انتهاكا صريحا للقانون الإنساني الدولي وتصب «مباشرة في مصلحة النظام». وأضاف فينتريل «لقد أثرنا هذا العمل الشنيع في محادثاتنا الأخيرة مع قادة المجلس العسكري الأعلى الذين أكدوا لنا أنهم لا يساندون مثل هذه الأعمال، وأن هذا لا يمثل الغالبية العظمى من المعارضة المسلحة).
مثل هذه الصورة القميئة والتصرف المتوحش القبيح يشير إلى الكم الهائل من الأحقاد والضغائن الذي تحملها فئات المجتمع السوري على بعضها البعض. وخطورة، فضلاً عن بشاعة، هذه التصرفات الحيوانية والمروعة والمكتظة دموية أن الذي أقدم عليها قائد من قادة المعارضة - كما في الخبر - وليس جنديا من الجنود، والسؤال: إذا كان القائد بهذه الوحشية والدموية واللا إنسانية فما بالك بالجنود؟.
الكثيرون يتفقون على أن بشار إضافة إلى القذافي وكذلك صدام كانوا بمثابة وصمة عار في تاريخ العرب المعاصر لم يعرف التاريخ لهم مثيلاً في القمع والقتل والسحل والإبادة وسرقة ثروات بلدانهم، وعندما سقطوا كنا نظن أننا على وشك الخلاص من حقبة (جزارين ولصوص)، كانوا لا يرقبون في شعوبهم إلاً ولا ذمة، وليس لديهم غير القتل سبيلاً لضبط البلاد وفرض الأمن، أما الحقوق ناهيك عن الحريات، وكذلك التنمية، فهذه المصطلحات لا وجود لها في قواميسهم؛ فهم كائنات لا يهمها إلا الحكم بأية طريقة، ومص أموال الشعوب؛ ثم من عصا أو تمرد، أو فتح فاه إلا ليتثاءب، فالسجن أو الإعدام أو حتى الإبادة الجماعية؛ و رأينا رأي العين كيف زرعت أراضيهم بعد سقوطهم بالمقابر الجماعية لمئات الآلاف من شعوبهم؛ وما مجزرة (حلبجة) الصدّامية عنا ببعيد.. إلا أن سقوط صدام وخروجه وخروج بعثه وفكره وأهله وذويه من السلطة أتى لنا (بصدام) جديد، لا يختلف عن صدام القديم كثيراً إذا لم يكن أسوأ، فصدام - على الاقل - كان يفوقه في حفظ الأمن ومحافظته على تماسك ولحمة أرض العراق، في حين أن المالكي، أو صدام الجديد، كان أسوأ في كل شيء من سلفه، وزاد من سوئه عندما كشف عن سوأته الطائفية ناهيك عن دمويته، وهاهو الآن على وشك أن يُجزِئ العراق، أو بلغة أدق يسعى عامداً متعمداً إلى تقسيم العراق إلى دويلات، لتصبح منطقة جنوب العراق (منطقة محتلة) يُقدمها على طبق طائفي إلى نظام الملالي في طهران، وهذا غاية مُنى إيران وهدف من أهدافها الاستراتيجية في العراق، حتى أصبح عقلاء العراقيين يحنون لزمان صدام بعد أن عانوا الأمرين من ديمقراطية المالكي وجنته المزعومة.
وأكاد أجزم أن بركان سوريا سيستمر حتماً أطول من بركان العراق؛ فالعراق لديه من الثروة ما جعله على الأقل قادراً نسبياً على السيطرة على الأمن وتقديم بعض الخدمات رغم النهب والسرقة والفساد من أركان نظام المالكي، كما أن العراق لم يُدمر مثلما دُمرت سوريا، إضافة إلى أن سوريا دولة فقيرة في مواردها فمن أين ستأتي بالأموال لتمويل إعمار ما دمرته الحرب، ما يجعل بناء سوريا ما بعد الحرب تحتاج إلى عقود، ليس على مستوى الحجر فحسب وإنما على مستوى البشر وهو الأصعب؛ يكفي دلالة على ما أقول أن قائداً من قادة المعارضة لم يُطفئ حقده إلا عندما مضغ كبد وقلب عدوه بعد مقتله كما يقول الخبر.
إلى اللقاء