أروي لكم قصة حقيقية لفتاة من هذه الأرض، رأيتها تحمل بين يديها طفلتين هي ثالثتهما، تجلس في زاوية دار لإيواء النساء المُعنفات.. اقتربت منها وأنا أراقب عينيها الغائرتين حزنًا وألمًا حجمه يتجاوز بكثير سنون عمرها العشرين. حكايتها لم تبدأ مع الفصول التي أوصلتها للمكوث في هذه الدار بعد أن تعرضت لأنواع العنف البدني والنفسي من زوجها وأسرته، بل بدأت قبل هذا بأربع سنوات، عندما تحركت في داخلها تغيرات الأنوثة ورافقتها ثورة المراهقة، هذه المرحلة الخطيرة التي تحتاج إلى كثير من التعقل والتروي والحكمة في التعامل مع من يمر بها، هذه الفتاة عرفت والدتها أمر حديثها بالهاتف مع أحد الشبان، فأطبقت عليها بالجرم المشهود الذي وصل إلى والدها وأعمامها، دخلت عليها والدتها تدعوها للتشهد والاستعداد للموت، لأن الرجال سيصلون حالاً للقبض على روحها، عقوبة لها على جريمة مهاتفتها لذلك الشاب، ولتكون عظة وعبرة لكل فتاة تسول لها نفسها أن تجلب العار لأسرتها.
هذا بالضبط ما حدث، وما روته لي صاحبة القصة نفسها، وأكدت على صحة أقوالها الأخصائية المتابعة لحالتها. وبعد، هكذا أتى سؤالي؟ الفتاة الصغيرة خافت من الموت، فخرجت هاربة من بيت أهلها فرارًا منه، خرجت دون أن تدري إلى أي وجهة ستذهب، فألتقطها عابر شرير واغتصبها لمدة شهرين، إلى أن تم القبض عليهما، وبعد انتهاء المحكومية كانت قد أنجبت منه طفلتها الأولى، فسعى أهل الخير بالسجن لتزويجهما، وحدث هذا الزواج بحضور والدها الذي تبرأ منها، وأغلق بزواجها أوراق أبوته!
بقيت في بيت مغتصبها، ووسط أهله، وكلهم يتفننون في صنوف تعذيب فتاة كانت ضحية لأم «هوجاء» لم تُحسن احتواء طفلتها المراهقة، معتقدة أن الترهيب والتخويف قد يوقف هذا السلوك السلبي الصادر عن الفتاة، إلا أن النتيجة تفاقمت إلى أبعد من كل التوقعات، فتضاعفت الأخطاء، ودخلت الفتاة إلى طريق وعرة ليس فيها سكة عودة، إلا في حال شعر أهلها بفداحة خطأهم، في عدم تفهمهم للاحتياجات العاطفية للمراهقين، خصوصًا الفتيات وهنّ لا يجدن الحب إلا في أحضان أمهاتهن.
الفتاة في مجتمعنا تواجه صعوبات نفسية واجتماعية وعاطفية عديدة، قد يختلف بعضها عن نظيراتها في الدول الأخرى، ويتشابهن في البعض الآخر. إلا أن فتياتنا يعشن ضمن منظومة اجتماعية موجعة بالكامل، لكنها موجعة أكثر للفتاة التي تشعر بالغربة ما بين القسوة والصراع في عدم وجود من يتفهّم احتياجاتها وتغيراتها الفسيولوجية، التي تنشأ في داخلها متقوقعة بالخوف. على عكس الفتاة التي تعيش وسط بيت يحتويها بالحب والحنان والأمان، مع أم تتعامل مع أخطاء فتاتها تعامل المحب وليس تعامل العدو. أنا هنا لا أنادي بتجاهل الأخطاء وعدم المحاسبة، فأنا أيضًا أم، وأنظر إلى أن التسيّب وتجاهل أخطاء الفتاة، هو كذلك قسوة من نوع آخر، فعدم توجيهها ظلم لها ولمجتمعها، إنما التعامل يتم وفق نظرة بعيدة لنتائج قد لا تكون محسوبة كما حدث مع الفتاة التي سردت قصتها أعلاه.
وكلامي هذا لا يخص الفتيات وحدهن، بل حتى الولد المراهق له نفس الاحتياجات، وقد يكون وضعه أصعب، لأنه يخرج إلى الشارع فيتلقفه الأشرار من مروجي مخدرات، أو مروجي إرهاب، وهنا سيخرج عن بيت أهله ولن يكون هناك طريق للعودة!
لذا فإن الحب هو علاج لكل الصعوبات، فإن زرع الآباء «الحب» في بيوتهم، فلن يجنوا في المستقبل إلا الحب!
www.salmogren.net