لستُ من هواة المسميات الرنانة، ولا من محبي تضخيم الأشياء في ظل فراغ في العطاء، ولكنني من محبي تسمية الأشياء بأسمائها، فلا بخس ولا تهويل.

خلال السنوات العشر الأخيرة ظهرت الكثير من الهيئات ذات المسؤوليات المختلفة، ولا أقلل من أهميتها، ولكنها بأي شكل من الأشكال لا تصل إلى أهمية وحضور مصلحة الزكاة ومصلحة الجمارك،

ولتتضح الصورة أكثر عن هاتين المصلحتين نرجع للوراء قليلاً لنتعرف على كل مصلحة بشيء من التفصيل، فقد صدر المرسوم الملكي رقم 3321 وتاريخ 21-1-1370هـ بإقرار نظام ضريبة الدخل، وقد تضمنت المادة التاسعة عشرة منه إعطاء وزير المالية السلطة الكافية لاتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتطبيق هذا النظام وتحقيق وتحصيل جميع الضرائب المقررة بموجبه. وعلى ضوء هذا المرسوم، صدر القرار الوزاري رقم 394 وتاريخ 7-8-1370هـ بإنشاء مصلحة الزكاة والدخل بحيث يكون ارتباطها مباشرة بوزير المالية. كما صدر المرسوم الملكي رقم 17-2-28-8634 وتاريخ 29-6-1370هـ القاضي باستيفاء الزكاة الشرعية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بواقع (2.5%) من الأفراد والشركات الذين يحملون الرعوية السعودية. وعلى ضوء هذا المرسوم صدر أيضاً القرار الوزاري رقم 393 وتاريخ 6-8-1370هـ متضمناً التعليمات الخاصة بتنظيم وتحقيق وتحصيل الزكاة من المكلفين بها شرعاً من السعوديين، ومؤخراً من رعايا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

أما مصلحة الجمارك فقد صدر أول نظام للجمارك في المملكة العربية السعودية ‏بموجب الأمر السامي الكريم رقم 326 وتاريخ 3-2-1349هـ ‏وكانت إدارة الجمارك في ظل هذا النظام عبارة عن مجموعة من ‏أمانات الجمارك موزعة بمناطق المملكة، وكل أمانة مسئولة عن ‏مجموعة من النقاط والمراكز الجمركية في محيطها وكل أمانة ‏من تلك الأمانات ترتبط بوزارة المالية والاقتصاد الوطني ‏مباشرة.‏

وفي عام 1372هـ تم إحداث المديرية العامة للجمارك وإلغاء ‏ديوان الجمارك بوزارة المالية والاقتصاد الوطني... وهو ‏العام نفسه الذي صدرت به الموافقة الملكية برقم 425 وتاريخ ‏‏5-3-1372هـ على نظام الجمارك، وأنيط بمعالي وزير المالية ‏والاقتصاد الوطني وضع لائحة تنفيذية للنظام.‏

وبتاريخ 1-8-1391هـ أصبحت مصلحة الجمارك العامة ‏ونقلت من جدة إلى الرياض وكلف لها مديراً عاماً للجمارك لتنفيذ ‏الإصلاحات الإدارية الجديدة التي قدم عنها معهد الإدارة بتاريخ ‏‏1396هـ تقريراً نهائياً تزامن مع نهاية مدة إشراف المعهد على ‏مصلحة الجمارك، وتضمن التقرير عرضاً لبرنامج الإصلاح ‏وإعادة التنظيم الذي بدأ العمل به في أواخر عام 1391هـ.‏

يتضح مما سبق قدم المصلحتين وبقاء حالهما على هذه الوضعية دون تغيير مع ما حدث من نقلات كبيرة في الاقتصاد والتجارة المحلية والعالمية التي لهاتين المصلحتين ارتباط وثيق بالحركة الاقتصادية والتجارية داخلياً وخارجياً، ويعرف كل من له علاقة بالاقتصاد والتجارة الدور المحوري والمهم لمصلحة الجمارك ومصلحة الزكاة والدخل، فلو توقفنا قليلاً أمام الأدوار ولا أقول الدور الذي تضطلع به مصلحة الجمارك فقط لهالنا تلك المسؤوليات الجسام التي يقوم بها رجل الجمارك، فقد تجاوز دور تحصيل الرسوم الجمركية على دور أمني وأخلاقي كبير، ولا نحتاج إلى البرهنة على ما نقول، فوسائل الإعلام المختلفة تبث صبيحة كل يوم تقريباً أنباء ما يقوم به رجال الجمارك من ضبطيات أمنية وأخلاقية مهولة.

وأعلم يقيناً أن جهود القيادة العليا في مصلحة الجمارك تسعى بكل ما أوتيت من نظام ودعم من القيادة لتمييز هؤلاء الرجال، ولكن مسألة المكافآت والهبات لا يُعد مغرياً ولا محفزاً قوياً للعاملين، فما يمنح اليوم قد يقطع غداً في ظل عدم وجوده ضمن الكادر الوظيفي الدائم.

أما مصلحة الزكاة والدخل فإن مسؤوليتها كبيرة كونها تُعنى بجباية الزكاة المقرة شرعاً، ونحن نعلم ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن ينكر أن ما تقوم به الآن مصلحة الزكاة من جباية للزكاة الشرعية أقل بكثير مما هو متوقع، فالزكاة التي تتحصلها المصلحة من الشركات هي في الواقع شبه رسوم سنوية تدفعها تلك الشركات لتسيير أمورها لا أقل ولا أكثر، وإلا لو حصلت المصلحة على كامل الزكاة لفاضت خزينتها في ظل هذا النظام الزكوي المحدد، فكيف لو تولت جباية زكاة عروض التجارة الأخرى والتي تقدر بمليارات الريالات؟

إنني أريد أن أصل معكم إلى أهمية تحويل مصلحة الجمارك وشقيقتها مصلحة الزكاة والدخل إلى هيئتين لهما من الكوادر الوظيفية المميزة ما يجعل العمل يسير بالشكل المؤسساتي المتقدم، ويمنح إدارة هذه الهيئة وتلك المقدرة الفائقة على التطوير والتعليم والتدريب للعاملين كافة بما يتوافق ونُظم الهيئات الحكومية العملاقة.

إن السؤال المنطقي الذي يطرحه كل من يعرف أهمية إعادة هيكلة المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ولماذا حتى الآن والجمارك والزكاة والدخل على وضعهما منذ الإنشاء؟!

هيئة الجمارك السعودية وهيئة الزكاة والدخل أمل مرتقب لكل من يعنيه نهضة بلادنا ورفاهيتنا.