أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي المعتمدة على تقنية الشبكة العالمية (الإنترنت) -التي بدأت بالساحات الحوارية ثم شملت (تويتر) و( فيس بوك) وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي- لصنع واقع اجتماعي افتراضي يحاكي الواقع الحقيقي ويختلف عنه في بعض السمات، التي منها كثرة المتلقين لكتابات ومقالات رواد تلك المواقع حيث يبلغ عددهم الآلاف، بل الملايين، السمة الهامة الأخرى هي تستر كثير من رواد تلك المواقع خلف أسماء رمزية وهمية، هاتان السمتان جعلت مما يكتب ويقال في مواقع التواصل الاجتماعي ذا شجون وذا أغراض. فالرواد ذوو أهداف مختلفة ومشارب متعددة، وحواراتهم معظمها معارك كلامية، منها البر والفاجر. وقد فطن المشرعون لأهمية وضع قوانين تضمن عدم التعدي اللفظي أسوة بالواقع الحقيقي، وفي بلادنا ونحن نحكم بالشريعة الإسلامية، نعتبر التعدي اللفظي في واقعنا نميمة أو غيبة أو بهتان أو رجم ولكل منها جزاء رادع يضمن كرامة وحق المعتدى عليه، ولكن الملاحظ أن كثيراً من مرتادي الواقع الافتراضي نسي أو تناسى هذه المعايير الشرعية وأطلق لنفسه العنان في التهجم على الآخرين والقدح بذممهم وكرامتهم وأحياناً حتى بعقائدهم.

تنظر المحكمة هذه الأيام قضية رفعها أحد المشهورين من رواد تويتر على مشهور آخر عندما أعاد المدعى عليه نشر قصيدة تقريع وهجاء للمدعي -كتبها شخص آخر-، المدعي يطلب تطبيق نظام صدر حديثاً يجرم التعدي في الواقع الافتراضي في حق المدعى عليه، هذه القضية هي القضية الأولى بين متخاصمين من مشاهير تويتر السعوديين، وتنظرها محكمة شرعية، وبغض النظر عن طبيعة القضية والمتخاصمين، فإن نتيجتها ستكون مؤسسة لسلوك جديد في تويتر خصوصا والواقع الافتراضي عموما، فإما سنرى انضباطا في التعدي اللفظي واحتراماً لحقوق الآخرين المعنوية إذا حكم بنص النظام، أو تفسخاً بالألفاظ واستباحة للأعراض إذا ردت الدعوى. هذه الدعوى تنتظر نتيجتها جهات عدة منها إدارة موقع تويتر نفسه، فالحكم في القضية سيساهم في رفع عبء كبير عنها أو زيادته، حيث تتلقى طلبات بالآلاف يوميا من مرتادين سعوديين يطالبون بحجب حسابات غيرهم بدعوى مخالفة شروط الاشتراك في تويتر، ومعظم هذه الطلبات مدفوعة بمشاعر دينية ومذهبية وعنصرية، لذا ففرزها وتتبع الحسابات المتهمة والتقرير حيال تلك التهم يستهلك الجهد والمال. ويؤثر في الإقبال على ارتياد تويتر.

لذا أعتقد أنه من المصلحة العامة أن يتم الحكم في القضية بحزم ووضوح حتى يتأسس سلوك يحترم النظام، فذلك من المقاصد الشرعية في الأحكام وخصوصاً التعزيرية منها، وقد تنبه الفقهاء والقضاة لهذه المصلحة، حيث طالب كثير منهم في خطب الجمع وبرامج الفتاوي والتوجيه الاجتماعي مرتادي تويتر على وجه الخصوص بالخوف من الله ومراقبته فيما يقولون سراً وعلانية والكف عن إشاعة فواحش الكلم والكذب والبهتان واستباحة أعراض الناس فيما يكتبون.