تأخرنا طويلاً في تأسيس خطوط حديدية تربط مناطق المملكة، على الرغم من أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - قد أدرك بثاقب رؤيته وعميق تفكيره الأبعاد الاستراتيجية لسكك الحديد، فأمر بدراسة ربط أجزاء المملكة بهذه الشبكة، بدءا بخط حديد الرياض الدمام مرورًا بالخرج وحرض والهفوف وبقيق والظهران بطول 570كم وتم عام 1371هـ، ثم خط الركاب المساند الذي يختصر المسافة بين الرياض والدمام إلى 465 كم.
ولكننا صرفنا النظر - مع الأسف - عن الاستمرار في تنفيذ مشروعات السكك الحديدية بعد أن تم تنفيذ باكورتها خط الرياض الدمام في مرحلة مبكرة من تاريخنا الوطني، ودفنا الفكرة في غياهب النسيان ما يقرب من ستين عاما، إلى أن بدأنا الدخول إلى العصر من جديد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - أمد الله في عمره - فنقلنا من السبات إلى اليقظة، وحطم تابوهات الصمت والتواكل، ونقلنا من مرحلة الحيرة والانتظار إلى زمن سعودي جديد، سمته « وطن حديث ينهض على الإصرار والتحدي « فحدثت النقلة الحضارية الهائلة التي مازال فضاؤنا يزدحم بضجيج طموحاتها الكبيرة.
مضى ما يقرب من ستة عقود من عدم الاهتمام بفكرة الخطوط الحديدية إلى أن أمر قائد القفزة الحضارية الجديدة الملك عبد الله بتاريخ 25-4-1427هـ بمرسوم ملكي ينص على تأسيس الشركة السعودية للخطوط الحديدية «سار» بواسطة صندوق الاستثمارات العامة التابع لوزارة المالية.
وكأن الأمر الملكي يهدف من إنشاء شركة «سار» إلى تعويض ما لم تستطع «المؤسسة العامة للخطوط الحديدية» إنجازه على مدى تاريخها الطويل بتقصيرها في تنفيذ النهوض بمسؤولية ربط شمال المملكة بجنوبها، وشرقها بغربها.
ونحن لا نريد أن نعود إلى عقود مضت حين تنازعت هذه المسؤولية الوطنية الخطيرة وزارة المواصلات ومؤسسة السكك الحديدية التي لم تكن في حقيقة الأمر تشرف على «سكك» بل على «سكة « واحدة أكل عليها الزمن وشرب دون تطوير أو تجديد أو توسع، لا في أطوال الطرق، ولا في عدد المحطات ومستواها المتحضر، ولا في نوع العربات المتطورة، ولا في اختصار المسافة من حيث الوقت بتطوير السكة الوحيدة اليتيمة على مدى ستين عاماً وتهيئتها لسرعات عالية!.
لا نريد أن نعود إلى مرحلة الركود الباهتة في هذا الشأن، وما شابهها من عدم قناعة غريبة بجدوى مشروعات الخطوط الحديدية، والتنازع في ذلك بين وزارة المواصلات التي انقرضت، والمؤسسة العامة للسكك الحديدية التي ضمت بقرار موفق إلى وزارة النقل لتوحيد الرؤية والتخطيط والجهد.
نحن «عيال اليوم» وأبناء مرحلة جديدة، فلننس الماضي، ولنفكر بإلحاح - إذا هبت رياحك فاغتنمها! - في ما يحسن بنا أن ننجزه بأسرع وقت وبدون إبطاء.
عظيم جدا بعد تأخر طويل ما يتم إنجازه الآن من جهات مختلفة متكاملة في نهاية الأمر: قطار الحرمين مكة والمدينة، الجسر البري بين الرياض وجدة، قطار الشمال، ثم خط الشمال - الجنوب ، وهي في مجملها وبتوسعاتها ستصل إلى 5000 كم.
السؤال الذي لابد له من إجابة: تسمي وزارة النقل مشروع ربط وسط المملكة انطلاقا من العاصمة الرياض وانتهاء إلى القريات بـ»خط الشمال - الجنوب» وبطول 2400 كم فأين الجزء الجنوبي من هذا المشروع الحضاري العملاق ؟! وهل جنوب المملكة يتوقف عند الرياض؟ ولم لا يكون كاسمه؛ فيمتد من الرياض جنوبا إلى نجران مارا بعدد كبير من المدن المكتظة والتجمعات السكانية الكبيرة: الخرج، حوطة بني تميم ، الأفلاج ، وادي الدواسر ، ثم نجران ، مع وصلات تربط المدن القريبة.
لنسم هذا المشروع بخط «الشمال - الوسط» إلى أن يتم البدء بتأسيس أول متر في الجزء الجنوبي منه الذي لا بد أن يتم قريباً إن شاء الله.
moh.alowain@gmail.commALowein@