قبل ست سنوات أو أكثر، عندما كنت رئيسة لقسم المجتمع في صحيفة الوطن، وضعت تخطيطًا متكامل المحاور عن قضية «العنصرية» وأرسلت تكليفات للزميلات والزملاء بالمكاتب والمناطق، لعمل جماعي يمكننا من خلاله تناول أبعاد هذه الآفة المستشرية، مع توضيح أشكال تناولها واختلافاتها ما بين منطقة وأخرى. بعد أن قمت بتجهيز هذا الموضوع الذي وضعته في ثلاث حلقات متتالية، رفض نشره رئيس التحرير -آنذاك- مؤكدًا إعجابه بفكرة ومضمون قضية العنصرية، إلا أن الصراحة المباشرة في عمل الزميلات والزملاء، جعلا من الصعب نشر الموضوع.
أوردت تلك الحكاية، لأبيّن مدى التغييرات التي تحدث في المجتمع، فقبل ست سنوات كان من الصعب نشر هذه القضايا، أما الآن فالصحف تتناول هذه القضية بشكل مستمر دون مواراة. وإن كانت أولى خطوات حل أي مشكلة بالطريقة العلمية هو الاعتراف بها، فنحن الآن وضعنا أيدينا على الخطوة الأولى، وصارحنا أنفسنا في الإجابة على سؤال: هل نحن مجتمع عنصري؟
العنصرية هي داء مصاب به معظم المجتمعات، ولو اتجهنا إلى أكثر الدول تطورًا مثل: بريطانيا أو ألمانيا، نجد أن لديهم حجماً هائلاً من العنصرية لا يُقارن بحجم عنصريتنا، إلا أن الفارق هو وجود قوانين صارمة تُجرّم أي فعل أو سلوك أو قول عنصري. أما في اليونان فيعمل لديها البرلمان هذه الأيام على إصدار قانون يُجرم العنصرية، تصل عقوباته إلى الحرمان من الحقوق المدنيّة، وتتراوح مدة الحبس ما بين ثلاثة أشهر حتى ست سنوات، مع غرامة مادية تصل إلى عشرين ألف يورو.
في حين أننا كمجتمع إسلامي تأخرنا كثيرًا في إيجاد قوانين واضحة تدين هذه الجريمة، مع أن الإسلام أتى رافعًا راية المساواة، التي جعلت (قريش) في بداية ظهور الدعوة، ترفض هذا الدين لأنه كما ينظرون يساوي بين العبد وسيّده، وهذا ما لا تقبل به عنصريتهم الجاهلية!
هنا تستحق جمعية حقوق الإنسان، الإشادة بتصريحاتها وتقاريرها المُناوئة للعنصرية، آخرها تصريح رئيس الجمعية، الدكتور مفلح القحطاني، عن استنكاره للهتافات العنصرية في الملاعب الرياضية. وبرأيي أن مثل هذه السلوكيات هي نتاج فكر مجتمع بأكمله، فمن هم رواد الملاعب، ومن هم الهاتفون بالألفاظ العنصرية؟ إنهم أبناؤنا، تربيتنا، وتربية مدارسنا، وتربية مجتمعنا، هم يعكسون سلوكا اجتماعيا سلبيا، مستفحلا في الميادين والقطاعات كافة، ولا يجد أي نوع من أنواع المقاومة للقضاء عليه، على الأقل القضاء عليه شكليًا بحيث لا يكون سلوكاً ظاهراً بلا أي رادع، أما الباطن فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. مع توضيح أن العنصرية ليست حصرًا على التمييز ضد الأشكال والأعراق، إنما هناك عنصرية أقوى تظهر في مضامين الأنظمة والسلوكيات الاجتماعية تجاه المرأة، لذا فإن أردنا فعلًا معالجة هذا الداء، فإن الوصفة لا بد أن تبدأ بغربلة القوانين التي تدعم التمييز ضد المرأة، لأن الجرح لا يشفى بالتعقيم الخارجي، إنما بجراحة عميقة ومتكاملة، مصحوبة بالألم، إلا أنه ألم زائل لا يعود!
www.salmogren.net