قدمت الأسبوع ما قبل الماضي قراءة تحليلية مختصرة في محاولة فهم الشباب سيسيولوجيا أي من وجهة نظر علم الاجتماع وحاولت فيه استخلاص أبرز سمات هذه المرحلة العمرية الحيوية ومطالبها.
ألحقته الأسبوع الماضي بمقال جاء على شكل اجتهاد في قراءة بعض من التوجهات المجددة في كتابات الرأي للشباب. وفي ذلك المقال استخلصت ما بدى لي أبرز ملامح هذا الطرح الشبابي الجديد ومنها باختصار مخل، توجه تجديدي في طبيعة المواضيع التي يقوم الشباب بانتخابها مع دقة وجرأة الاختيار، توجه تجديدي في أسلوب الطرح حيث تتميز طروحات الشباب في مقالات الرأي بالشفافية بدل الغموض وبتسمية المصطلح والشيء والمسؤول باسمه بدل الغمغمة، توجه يتسم بتصور نقدي وتفكيكي في قراءة الواقع وهو في نفس الوقت توجه يتسم بالتعددية والتفاوضية والسلمية والعلنية.
غير أن ذلك الاجتهاد في قراءة بعض ما أعتبره أوضح ملامح كتابات الشباب التجديدية في مقالات الرأي يبقى ناقصاً إن لم أقرنه باجتهاد آخر أقدمت عليه في محاولة استنباط بعض مشتركاتها في النقد الذي يمكن أن يوجه إليها، مما أوجزه في النقاط التالية:
- إغراق بعضها في تناول الحدث السياسي الآني على حساب بعض القضايا والهموم الأكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي والسياسي للغالبية العظمى من الشرائح الاجتماعية الرقيقة أو التي لا صوت لها. كما أن ارتباطها بالحدث السياسي وإن كان مفهوماً وأحياناً ضرورياً لتلاحقه وأهمية تقديم محاولات جادة وتجديدية للتحليل والفهم إلا أن ذلك يأتي أحياناً دون ربطه بجذوره التاريخية والاجتماعية أو باستشرافات مستقبلية قادرة على استيعاب مجريات الواقع وليس الحدث معزولاً، لتكون قادرة بالتالي على استكناه أو على الأقل توقع المستقبل.
- عينة لا بأس بها من كتابات الشباب التجديدية في مجال كتابات الرأي لا تبدي بعد اتجاهاً مستقلاً أو اتجاهات مستقلة نحو تحديد التأطير النظري ولا نقول الأيدولوجي لأن معظمها إن لم تمثل فهي تتقارب مع هذا أو ذاك من المنطلقات أو الأسس الأيدولوجية لطروحاتها. ورغم أن قوة الموقف السياسي ووضوحه في الطروحات الشبابية قد تشغل المتابع عن ملاحظة غياب التعميق النظري إلا أنها لا تغني في واقع الأمر ولا تكفي للتحول من مجرد طروحات شبكية أو صحفية عبر مقالات الرأي إلى فكر يقوى ويعمق الموقف السياسي ويربطه بمقوماته الموضوعية في الاجتماع والاقتصاد والثقافة.
- لا يزال المقترح الإصلاحي الذي تلوح به هذه الكتابات الشبابية يراوح في تصورات مستقاة إما من التوجه الليبرالي أو الديني بتواجدهما الرمزي أو التجسدي في صيغ لا تبتعد عن الصيغة البيانية من البيانات، دون أن تستطيع تطوير طروحات أعمق ترتبط برؤى شبابية منتفضة على طروحات البيانات بتياريها مضمونا وأسلوبا. وقد يعود ذلك إلى عدم تبلور خط واضح لهويتها الذاتية بعيداً عن التيارات المتعارف عليها، أو لعدم وجود شرعية قانونية للتعددية في المجتمع بما يحول دون تشكيلها لجسد ثقافي معلن وواضح المعالم بمعناه المدني والسياسي.
- اتسامها بالتعدد فيما بين بعضها البعض يبدو أقرب إلى التوازي من التحاور وقد يعود ذلك إلى أنها لا تملك أرضية متاحة للتلاقي ومساحة حرة للحوار فرغم الفضائيات والشبكات والمدونات والمواقع التي أسقطت جدران المعازل الاجتماعية التي اعتادها المجتمع إلا أنها لا تبدو كافية لتفكيك حالة التوحش التي ولد في أحضانها عدد غير قليل من هذا الجيل خاصة ممن ولدوا في أواخر الثمانينات والمنتصف الأول من التسعينات بما يصعب محاولاتهم هم أنفسهم نحو خلق لحمة كافية لعلاقات تبدالية وليست تقاطعية بين الجهود والاجتهادات الشبابية مع بعضها البعض دون أن يعني ذلك التعريض بتمايزها.
أخيراً أعرف أن هذه المحاولة لقراءة التوجه التجديدي في كتابات الرأي الشبابية قد يصعب ربطها بالظاهرة إن صح التعبير بدون على الأقل إعطاء عينة من الكتابات أو الكتاب والكاتبات الذين استقيت من متابعة أعمالهم هذه القراءة ولتلافي هذا القصور رمزياً سأذكر بعض الأسماء مع ملاحظة غير هامشية أن مجمل الأسماء التي تمثل هذا التوجه من كتابات الرأي تمثل شرائح متعددة من جيل شبابي كامل بالموصفات السيسيولوجية التي تناولتها في مقال الأسبوع الماضي وقبل الماضي. ومن أسماء هذا الجيل الشبابي المجدد على سبيل المثال المقتضب لا الحصر ومع وجود تمايزات في صوت كل منهم واختلاف في العمق النقدي والطروحات والأسلوب: إيمان القويفلي، أمل الفاران، علي الظفيري، محمود صباغ، أحمد عدنان، ريم الفضلي، خالد السيف، يوسف أبا الخيل، نوف عبدالعزيز، بدر إبراهيم، أحمد الجنيدل، عبدالله الجيلان، فايد العليوي، وليد سليس، سوزان مشهدي، أحمد الواصل، وليد أبو الخير، منال الزهراني، سكينة المشخص، أحمد العلي، ابتهال المبارك وماجد الجعيد، لمياء السويلم وطبعا القائمة بفضل الله تطول. ويبقى الموضوع، موضوع الشباب مغر ومشتعل ومربك ولا يمكن الاكتفاء فيه أو الشفاء منه بثلاث مقالات ولا بد من تتمة.
فما تقدم ليس إلا فتح باب مع الشباب حتى لا يكون جيلي الشباب الوحيد على الأرض فيما الأرض تمور بالتجارب التجديدية الممشوقة.
Fowziyaat@hotmail.comTwitter: F@abukhalid