لا أؤمن إطلاقاً بصحة التعميم غالباً في معظم أشكاله..
رغم ذلك فأنا في المقابل أؤمن بأن لكل جيل سماته ولا يعني هذا تشابه الأفراد تماماً بحيث يظهرون نسخاً طبق الأصل عن بعضهم البعض..
أعلم أني لا أذيع سراً حين أقول بأنني أنتمي لجيل كان للإذاعة دور مميز فيه لا يُنسى، فقد كانت الإذاعة ترافقنا خلال اليوم في فترات مختلفة حتى أصبح لكل وقت سمة خاصة ولكل برنامج إيحاؤه ونكهته الخاصة، فعلى سبيل المثال: “يا صباح الخير ياللي معانا” لأم كلثوم كانت غالباً تجلجل في برامج الصباح وأيضاً مقدمة الأرض الطيبة (إحرث وازرع أرض بلادك..) قبل السابعة صباحاً، هذه الأغنية لم أكن أحبها، بل لم أكن أفهم حقيقة ما الذي كانوا يرددونه، أو على الأصح لم أحرص على ذلك، أما الثانية والنصف ظهراً فهو موعد أخبار الظهيرة، حين تبدأ مقدمتها المميزة يكون أبي (رحمه الله) قد عاد من عمله وقد ساد المنزل الهدوء ونحن في عز الظهيرة، وفي أثناء الجامعة أصبحت أنتهك هذا الموعد المقدس بكوني في الجامعة أو أستعد لها فيما إذا كان لدينا محاضرات بعد الرابعة عصراً..
ورغم ظهور الإنترنت لا يزال للإذاعة أهميتها وللصوت المسموع أهميته، وقد بلغ الذروة لدي حين درست مادة الاستماع باللغة الإنجليزية أثناء دراستي للترجمة في الجامعة، ثم عادت تلك الأهمية في دراستي العليا التي كان لامتحان (الآيلس) الصدارة فيها..
سبق أن كان لي خبرة قليلة في الإذاعة أثناء تقديمي لبرنامج خمس دقائق، كانت تجربة جميلة عرفت من خلالها أن خمس دقائق لحديث ما تعادل ما بين 400 - 450 كلمة، وأن المذيع أو المقدم لحديث ما ينبغي له أن يحرص على التوازن بحيث يقدم الحديث برتم متوسط، لا يكون سريعاً بحيث يكون مزعجاً للمستمع فربما لا يستطيع متابعة ما يقول، ولا يكون بطيئاً فيصاب المستمع بالملل، إضافة إلى أنني عرفت من أي مناطق الحنجرة ينبغي أن أسمح لصوتي بالانطلاق منه ليكون في أفضل حالاته، بحيث يكون هو التردد الأكثر قبولاً مع تغيير النبرة أثناء الإلقاء بدءاً وانتهاءً، لن أسهب كثيراً في هذا الموضوع لكنني أتذكر بأنني كنت أتابع بعض البرامج إما عمداً أو بغير قصد إضافة إلى الأغاني التي كنت في طفولتي أحفظها وأرددها، والأمر لا يخلو من طرافة..
على سبيل المثال: كنت منذ طفولتي أستمع إلى أغنية فايزة أحمد ثم اكتشفت مؤخراً فقط بأنني كنت أرددها خطأ.. الأغنية باللهجة المصرية تقول فيها فايزة: (غزلاله يمّة بإيدي الطاقية) أي لقد غزلت له بيدي هاتين (الطاقية) فكيف لا يرتديها؟!
فيما يبدو أن الأغنية تم إعدادها في الشتاء وفي زمن كانوا يقدّرون فيه كثيراً (الطّواقي) المصنوعة من الصوف والله أعلم.
أما أنا فقد كنت أردد طوال الوقت وإلى وقت قريب: (غسلاله يمه بإيدي الطاقية..) أي لقد غسلت له الطاقية فلماذا لا يرتديها؟ كأنما كنت أعتقد بأن المغنية تقول بشكل غير مباشر: كم أنا بارعة في الغسيل يا أماه، فلماذا يبدو جاحداً؟!