سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد اطلعت على المقال الذي كتبه الدكتور محمد العوين في عدد الجزيرة 14818 وتاريخ 14-6-1434هـ بشأن مقترحاته التطويرية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولي عليها بعض الملحوظات أرجو أن تجد بين صفحات الجريدة فسحةً لها.
فبداية أشكر الدكتور على مبدأ الابتهاج المتعلق بتطوير الجامعة، وهو أمر نغتبط به جميعاً، بيد أن النظرة إلى التطوير لا بد أن تتوجه ابتداء إلى التخصص الرئيس الذي هو عنوان الجامعة ومبدأ إنشائها.
لكني وجدت نظرة الدكتور إلى التطوير دائرة حول إلغاء أو دمج التخصصات الأساسية التي أنشئت الجامعة من أجلها!
فقد أشاد بفصل كلية الإعلام عن الدعوة، معتبراً إيّاه الوضع المنطقي الذي يجب أن يكون متسائلاً: ما علاقة الدعوة بالإعلام؟! وهو في الحقيقة تساؤل غريب! إذ إن الناظر في رسالة الجامعة وتخصصها الرئيس يدرك المغزى من جمع هاتين الكليتين تحت سقف واحد، فالإعلام يعتبر من أقوى الوسائل في نشر الدعوة الإسلامية، فكان الجمع بينهما جامعاً في رسالة الكلية ورؤيتها لهذا الهدف الرفيع والغاية السامية، ولذلك فإني أرى أن الفصل بينهما لم يأت تصحيحاً لخطأ لبث في الجامعة سنين، ولكنه أمرٌ تنظيميّ يحكمه التوسّع الجامعي.
ولكن -ولتخفيف الغرابة في طرح الدكتور- هل نعتبر تساؤله ينطوي تحته تساؤل آخر يتجاوز نظرة التناسب بين الأقسام والكلية إلى نظرة التناسب بين الكليات والجامعة، فكأنه يتساءل أيضاً: ما علاقة كلية الطب والهندسة والعلوم... إلخ بجامعة إسلامية، تعنى بالعلوم الشرعية واللغة العربية؟!
وما من اعتراض على طب لذاته ولا هندسة لذاتها، ولكنها استجابة لمنطقية النظرة التي رأى الدكتور ضرورتها في الفصل بين التخصصات غير المتداخلة.
فمثلاً حين يُعترض على كلية طب في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وعلى كلية آداب في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وعلى قسم للشريعة في الكلية التقنية، فإن هذا لايعني تقليلاً من شأن هذه التخصصات، ولكنه مراعاة لعنوان التخصص الرئيس الذي تحمله الجامعة.
أما ما اقترحه الدكتور من الدمج بين كليتي أصول الدين والشريعة فهو في غاية التسطيح، باعثه كلام المرء في غير فنه!
ويبدو أن الدكتور وفقه الله تعالى حكم على التداخل بين التخصصات الشرعية من خلال القراءة في كتب الثقافة الإسلامية التي من شأنها الجمع والاختصار، فتشكلت عنده هذه الصورة التي بنى عليها اقتراحه!
قد أتفهم اقتراح الدكتور في جامعة ليست متخصصة في العلوم الشرعية، فقد يكتفى فيها من ذلك بقسم داخل كلية.
أما جامعة الإمام! فهي الجامعة التي إذا ذُكر التخصص الشرعي تصدرت وامتدت قامتها.
وبحكم أني أحد منسوبي كلية أصول الدين، وكما يقال: أهل مكة أدرى بشعابها. فإني أنا وزملائي -فيما لمست- على النقيض تماماً من مقترح الدكتور، فنحن نتطلع إلى أن تكون الأقسام العلمية في الكلية كليات قائمة بنفسها، فتكون هناك كلية للقرآن وعلومه -كما هو في الجامعة الإسلامية بالمدينة-، وكلية للسنة وعلومها -ككلية الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة-، وكلية خاصة بالدراسات العقدية والأديان والفرق والمذاهب.
ولعلي أجدها مناسبة جميلة أبث فيها الصوت طلباً أن يرى هذا التوسّع مكاناً في الواقع فسيحاً؛ إذ إنّ توسّع الجامعة بكلياتٍ تخدم تخصصها الرئيس لا شك أنه من مجالات التطوير التي يجب أن تحظى بالصدارة والاهتمام.
وهذا ليس مقصوراً على التخصص الشرعي فحسب، بل هو مطّرد في عموم التخصصات، فحين تجد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن -مثلاً- كلية للعلوم الهندسية وكلية للهندسة التطبيقية وكلية لهندسة الحاسب فإنك تتفهم هذا التفصيل المناسب لتخصص الجامعة.
وستتفهم أيضا التفصيل في الكليات الطبية في الجامعات التي تحتضنها، فلن تقبل من ناظرٍ من بعيد إلى التخصصات الطبية أن يقول: إن الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية التطبيقية فيها من التداخل ما يمكن معه أن تستوعبها كلية واحدة باسم كلية العلوم الطبية!
وهكذا الشأن في الجامعات الإسلامية، لا بد أن يحظى التخصص الشرعي بمزيد تفصيل يتناسب مع عنوانها.
وانظر إلى عموم الجامعات الإسلامية لتجد أن تعدد الكليات التي تخدم تخصصها أمرٌ ظاهر فيها.
فالجامعة الإسلامية بالمدينة -مثلاً- فيها أربع كليات شرعية، وجامعة أم القرى فيها ثلاث كليات شرعية، وهكذا.
أما مقترح الدكتور -وفقه الله- فهو يريد أن تقتصر جامعة الإمام على كلية شرعية واحدة فقط؛ لأن الفصل الذي حصل بين كليتي الدعوة والإعلام نتج عنه إلغاء المرحلة الجامعية لكلية الدعوة، وتحوّلت الكلية إلى المعهد العالي للدعوة والاحتساب، وهو معني بالدراسات العليا فقط، فبقي التخصص الشرعي للمرحلة الجامعية يدرّس في كليتي الشريعة وأصول الدين فقط، فإذا دمجت كلية أصول الدين مع الشريعة بقيت الجامعة التي تتصدر الجامعات ذات التخصص الشرعي ليس فيها إلا كلية شرعية واحدة! وهذا ما لا تكاد تجده في جامعة إسلامية!
فالمطلب إذاً هو مزيد توسّع في الكليات الشرعية لكون الجامعة مرجعاً تتطلع إليها الأبصار في عموم الأقطار في كل تفاصيل المسائل الشرعية.
أما ما أثاره الدكتور بشأن قسم النقد والبلاغة ومنهج الأدب الإسلامي فأترك الأمر إلى زملائي هناك ليجيبوا عن مقترح الدكتور، لكن لفت نظري إقحام الدكتور لجماعة الإخوان المسلمين في إنشاء القسم! مع أننا لا نجد هذه التسمية في أيٍّ من أقسام الجامعات العربية، فهل بلغ تأثير جماعة الإخوان المسلمين إلى إنشاء هذا القسم في جامعة الإمام في حين عجزت عنه في بلدانها التي تحتشد فيه جموعها؟!
كنت أرجو ألا تختلط الأوراق في مقال الدكتور وألا يداخل بين الأمور، وكأننا أمام مناورات الساحة المصرية بين مؤيدي الإخوان ومناوئيهم! لأن المزايدة من خلال هذا الطرح ستنسحب على قسم الثقافة الإسلامية أيضاً، بل وعلى وصف الجامعة نفسها بالإسلامية!
إن احتضان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لقسمٍ يعنى بالأدب الإسلامي جاء في سياق ما أسست عليه الجامعة من أول يوم، وكذلك هو مادة ثرية لها امتدادها الزماني والمكاني تستحق معه غاية العناية والاهتمام.
هذا ما أردت تقييده، شاكراً ومقدراً نشر هذه الكلمات التي أرجو نفعها بإذن الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د.عبدالله بن عبدالرحمن الهذيل - قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية