|
الجزيرة - محمد السهلي:
بعد أن تمت إثارتها أولاً بأروقة الإعلام السعودي, هاهو الإعلام الآسيوي يلتقط قضية عدم موافاة المملكة لقدراتها غير المفعلة حول توسيع رقعة صناعة المال الإسلامية بشكل أكبر داخل البلاد. وفي حين كان الإعلام السعودي جريئاً في إلقاء اللائمة على مؤسسة النقد (ساما) ووزارة المالية وهيئة سوق المال, كان الإعلام الغربي يثير هذه القضية بشكل عام.
o مجلة «آي اف ان», التي تصدر من قلب العاصمة الماليزية كوالالمبور, أثارت القضية على عنوان صفحتها الأولى, متسائلة في إذا «ما كانت السعودية ستصبح الوجهة القادمة الكبرى» لصناعة المال الإسلامية. تقول المجلة في افتتاحيتها: «لدى السعودية القدرة على الهيمنة على الساحة العالمية لصناعة المال الإسلامية ولاسيما من حيث أسواق المال (الخاصة بالصكوك).» ففي السنة الماضية جاءت السعودية بعد ماليزيا من حيث إصدارات الصكوك وهذا من شأنه أن يعطي دلالات على حجم السوق القابلة للنمو. ثم تتساءل المجلة مره أخرى: «هل لدى السعودية ما يكفي لتتحدى ماليزيا كمركز عالمي للمالية المتطابقة مع الشريعة؟ وماذا سيتطلب الأمر لإيقاظ هذا العملاق النائم؟.
يصل إجمالي قيمة الأصول المتطابقة مع الشريعة إلى أكثر من 94 مليار دولار, وهذا ما يجعل السعودية تهيمن على 26% من إجمالي الأصول الإسلاميه بالخليج وتقتنص في نفس الوقت حصة ضئيلة من من إجمالي الأصول العالمية المتطابقه مع الشريعة والتي تصل إلى 8.2%. وتفتخر المملكة باحتضان صناعتها الإسلامية مؤسسة مالية عملاقة على الصعيد العالمي مثل بنك التنمية الإسلامي, والذي يعد بمثابة «البنك الدولي» لدى المسلمين. ليس هذا فقط بل هي موطن لأضخم بنك إسلامي في العالم (بنك الراجحي) الذي وصلت قيمة أصوله في 2011 إلى 59 مليار دولار.
معضلة الصكوك
وبالرغم من الزيادة الواضحة في أحجام إصدارات الصكوك، إلا أن السوق السعودية تواجه معضلتين، بحسب الخبراء الذين تحدثوا للمجلة الماليزيه. أول هذه المعضلات يتمحور حول اضمحلال سيولة الأسواق الثانوية لتداولات الصكوك بالبورصة. وبالإضافة لذلك فهناك البيئة الخاصة بالجوانب التنظيمية التي تعوق السعودية من موافاة تطلعاتها الغير مفعلة.. حتى الشركات الخاصة أضحت تدرك أن باستطاعتها طرق سوق الصكوك وذلك بسبب الانخفاض الحاد في تكلفة الاصدار. يعلق على ذلك كريج نيثيركوت, شريك لدى مؤسسة المحاماة لاثام آند وكينجز,: «أنها طريقة فعَاله للحصول على السيولة وذلك على أسس مقبولة ثقافياً».
والذي يتتبع مسيرة الصكوك في السعودية يرى بأنها تأخذ منحنى تصاعدياً وفي نفس الوقت تتسم بأحجامها بالضخمة (تتراوح الواحدة ما بين مليار دولار إلى 4 مليار).. فمن لا شيء في 2004 إلى 3% من إجمالي الإصدارات العالميه في 2006. لتصل هذه النسبة إلى 11% في 2007. إلا أن النمو الاستثنائي جاء في 2012 بعد أن استحوذت الإصدارات السعودية على 21% من الصكوك العالمية.
o وفي السنة الحالية تتجه الأنظار إلى شركة مرافق الكهرباء والمياه بالجبيل وينبع (مرافق) التي تقدم خدمات مرافق عامة لمدينتين صناعيتين في السعودية. حيث عينت الشركة مؤخراً، وفقاً لرويترز، مستشاراً للنظر في إمكانية إصدار سندات إسلامية بالعملة المحلية.
وقال أحد المصادر إنه إذا قررت مرافق اختيار طريق أسواق السندات فإن من المرجح الإعلان عن الصفقة في أواخر هذا العام أو أوائل 2014. وعادة ما يستغرق الأمر عدة أشهر بين اتخاذ قرار بإجراء صفقة سندات للمرة الأولى وبين القدوم إلى السوق نظراً للوقت الطويل الذي تستغرقه الإجراءات والموافقات اللازمة.
وتتجه الشركات السعودية التي تسعى للحصول على تمويل إلى سوق السندات في المملكة بشكل متزايد وهي تهدف لتنويع مصادرها التمويلية بعيدا عن قروض البنوك والاستفادة من السيولة المرتفعة لدى المستثمرين.
وقالت مصادر لرويترز في وقت سابق هذا الشهر إن الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري (البحري) تدرس إصدار صكوك لأول مرة للمساهمة في إعادة تمويل دين اقترضته للاستحواذ على الوحدة البحرية لأرامكو السعودية مقابل 1.3 مليار دولار العام الماضي.
o وبحسب وحدة البيانات المالية (Dealogic) فقد وصل إجمالي 10 إصدارات إلى 9.18 مليارات دولار. وعلى سبيل المقارنه، فقد هيمنة ماليزيا على 43% من إجمالي الصكوك العالمية بـ91 إصداراً وبقيمة إجمالية تصل إلى 19.4 مليار دولار في السنة الماضية.
o يقول كريج نيثيركوت, شريك لدى مؤسسة المحاماة لاثام آند وكينجز: «عندما تتمعن في أسباب نجاح ماليزيا فإن ذلك يرجع إلى أسواقها المحلية التي لديها شهية نحو إصدارات الصكوك. وعندما تنظر إلى الشرق الأوسط, فإن أضخم اقتصاد هناك هو السعودية. فالسعودية تملك المؤهلات للسيطرة والهيمنة كما يحصل الآن مع ماليزيا».
o تختتم مجلة «آي اف ان» تقريرها بقولها: مع هذا الطلب الهائل على الصكوك، بخلاف المشاريع الحكومية القادمة، فضلاً عن الاهتمام الواضح من القطاع الخاص، فإن المتابعين يتوقعون أن تأخذ السعودية منزلة ماليزيا وتصبح أضخم مصدر للصكوك على مستوى العالم وذلك خلال السنوات القادمه. إلا أن المجلة الآسيوية عادت وطمأنت قراءها بأنه إذا لم تتخذ السعودية إجراءات واقعية (لتعزيز نمو قطاع المصرفية الإسلامية بها) فإنه من «غير المرجح أن تشكل تهديداً خطيرا ضد السيطرة الماليزية المستمرة على السوق».
وتقوم أعمال التمويل الإسلامي أي العمليات البنكية الملتزمة بالأحكام الشرعية، على التوفيق بين التمويل الحديث وبين تحريم التعامل بالربا الذي نص عليه القرآن الكريم. ويتلقى أصحاب حسابات التوفير الإسلامية وحاملو السندات الإسلامية أرباحهم من خلال ترتيبات في اقتسام الربح تحل محل الربا.
وأصبح التمويل الإسلامي، بفضل الطفرة النفطية في منطقة الخليج العربي، صناعة عالمية، تزدهر في بلدان مثل دبي والبحرين وماليزيا، حيث تُستثمَر أموال في حدود تريليون دولار في الموجودات المالية الإسلامية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القروض والسندات والاستثمارات الأخرى.