عندما طالب المواطنون بفتح سوق الطَّيران المدني للشركات الأجنبية؛ كانت أمانيهم مُعلقة بتوفير مزيد من الرحلات لتلبية الطَّلب المتنامي على النقل الجوي؛ وبخاصَّة المحطَّات الأقل استئثارًا بالرحلات؛ ومنها المناطق البعيدة التي لا يجد سُكَّانها من ينقلهم إلى المدن الرئيسة. تنقل هؤلاء المواطنين يحدث لأسباب مرتبطة بطلب الرزق؛ أو العلاج؛ ما يعني ضرورة حصولهم على وسيلة نقل آمنة؛ ومريحة؛ وسريعة تمكّنهم من الوصول إلى وجهتهم بسلام وفي الوقت المحدد.
يبدو أن فرحة المواطنين بدخول شركتي «الخليج» و»القطرية» السُّوق المحليَّة لم تكتمل بعد تسرب معلومات أولية تفيد برفض الشركتين تغطية المحطَّات النائية الأكثر حاجة؛ وتركيزهما على المحطَّات الثلاث الرئيسة؛ الرياض؛ جدة؛ والدمام ما يعني بقاء مشكلة مسافري المحطَّات الأخرى دون علاج. من الجانب الاقتصادي تعتبر المحطَّات الثلاث الأكثر ربحية للخطوط السعوديَّة؛ وربما الأقل استهلاكًا لطائراتها؛ إضافة إلى كونها المحطَّات الأكثر خلقًا لفرص السفر الدولي؛ وفي حال سماح هيئة الطَّيران المدني لشركتي القطرية؛ والخليج بالعمل على تلك المحطَّات الثلاث بمعزل عن باقي المحطَّات الأخرى؛ وإلزام «السعوديَّة» بها؛ فذاك يعني الإخلال بمعايير المنافسة العادلة؛ واستقطاعها حصة مهمة من «السعوديَّة» وتقديمها لمنافسيها دون أن تُلزم المنافسين بالتزامات السعوديَّة في النقل الداخلي. فنعود من جديد إلى الإخلال بمعايير المنافسة التي تسببت في وقت سابق بخروج طيران «سما» من السُّوق المحليَّة.
فتح السُّوق يَتطلَّب الالتزام بمعايير تنافسية محدَّدة تُطبّق على الجميع؛ فإلزام شركة دون أخرى؛ وإن كانت وطنيَّة؛ بمحطات مُكلفة أو خاسرة؛ سينعكس سلبًا على أدائها في المحطَّات الأخرى؛ وكفاءة ربحيتها التي ستتأثر دون شك بمتغيِّرات الإشغال المتدني؛ والتَكْلفَة العالية. إضافة إلى ذلك؛ فإعطاء الشركات الجديدة حق تغطية المحطَّات الثلاث الرئيسة سيساعدها في الحصول على الحِصَّة الأكبر من بيع المقاعد الدوليَّة؛ الأكثر ربحية لـ»السعوديَّة»؛ التي تعوض خسائرها في المحطَّات الداخليَّة.
يفترض أن توزع الوجهات الداخليَّة غير المرغوب فيها لأسباب ربحية على الشركات الثلاث؛ بطريقة عادلة تحقَّق الخدمة الجيِّدة للمواطنين ولا تتسبب في خسارة شركات الطيران؛ أو تخل بمعايير المنافسة العادلة؛ وفي المقابل يتم تنظيم المنافسة في المحطَّات الرئيسة وفق آليات السُّوق الحرة؛ دون تمييز بين الشركات المتنافسة. فإنَّ تعذر ذلك فلا مناص من استحداث شركة طيران اقتصاديَّة مدعومة من الحكومة تهتم بتغطية الوجهات غير المرغوبة من قبل شركات الطَّيران المتنافسة. أعتقد أن «الخطوط السعوديَّة» قد وصلت المرحلة النهائية في الخصخصة؛ وهي مرحلة حرجة تتطلب تحقيق الربحية؛ وإثبات الكفاءة المُقنعة للحكومة بإيجابيَّة طرحها للاكتتاب العام؛ وتقنع في الوقت نفسه المستثمرين بجدوى الاستثمار فيها. لن تُقدم الحكومة على طرح شركة خاسرة للمستثمرين؛ وهذ أمر يستدعي التوَّقف عنده ومراجعته لرفع الضرر قبل حدوثه؛ ولدعم التوجُّه الحكومي نحو خصخصة الخطوط السعوديَّة.
المنافسة العادلة لا ترتبط بمعطيات السُّوق فحسب؛ بل تتجاوزها إلى الملكية؛ والمرجعية وكل ما يتعلّق بالهيكل التنظيمي؛ فالدعم الحكومي المباشر لأيِّ من الشركات المتنافسة قد يخل بمعايير المنافسة العادلة؛ وهو أمر قد يعتقد كثير من المراقبين أنّه يرتبط بـ»الخطوط السعوديَّة»؛ في الوقت الذي أجده أكثر ارتباطًا بالخطوط القطرية وإن كانت الشَّركة الفائزة بالرُّخْصة المحليَّة مستقلة عن الشَّركة الأم؛ وهو أمر يستوجب الإحاطة والتدقيق. ومن الجانب التنظيمي؛ وعلاقته بالمنافسة العادلة؛ أجزم بأن «المؤسسة العامَّة للخطوط الجويَّة السعوديَّة» في حاجة ماسَّة إلى الفصل بينها وبين الهيئة العامَّة للطَّيران المدني؛ من خلال البدء في تشكيل مجلس إدارة جديد يتوافق مع مرحلة فتح سوق النقل الجوي؛ فالجمع بين رئاسة هيئة الطَّيران المدني؛ ورئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامَّة للخطوط السعوديَّة يتعارض مع معايير الحوكمة؛ والمنافسة العادلة وإلزامية فصل الصلاحيات بين الجهة المشرفة على القطاع وأي شركة مشغلة. وعلى عكس الاعتقاد السائد بأن التنظيم الإداري الحالي قد يخدم «السعوديَّة» فالواقع يؤكِّد أن الارتباط التنظيمي يؤثِّر سلبًا في الشَّركة التابعة لا الشركات المستقلة؛ فيفقدها ديناميكية الحركة؛ واستقلالية القرار التجاري؛ والقدرة على التفاوض بما يحقِّق مصلحتها الخاصَّة؛ وهذا ما يحدث لـ»السعوديَّة» اليوم. ومع كل تلك السلبيات التي تتحمَّلها «السعوديَّة» تشعر الشركات الأخرى بالتمييز تجاهها؛ ما يؤثِّر سلبًا في ثقتها بالقرارات الصادرة من الهيئة مستقبلاً؛ خاصة ما يتعلّق منها بتنظيم الرحلات ومعالجة النزاعات الطارئة.
المرحلة الجديدة لسوق الطَّيران المدني تستدعي تصحيحًا شاملاً في القطاع من أجل تحقيق معايير التنافسية العادلة للشركات الثلاث.
f.albuainain@hotmail.com