يتباشر البشر بالمطر، وتزدان الأرض بالنبت، تهتز وتخضر الشجر, ويتباشر به كل كائن حي على وجه الأرض.
عطاء ورحمة من الله في خلقه سبحانه مدبر الكون. حين تتفكر في الطقس والمناخ تجد أنه يختلف من منطقة إلى أخرى. ما أجملها في وقت الربيع إذا توالت عليها الأمطار في الوسم يشد الرحال صاحب الحلال الأغنام والإبل إلى مكان الربيع، ويفرح الفلاح صاحب الزرع والنخيل، وتجم البئر وتحلو عذوبة الماء بعد الجفاف والأملاح. فبعد الأمطار والسيول يرتاح الفلاح من عمله الشاق في الفلاحة. النخلة من أبرك الزروع مثمرة ومباركة ومصدر للرزق في ماضي الزمان كانت هي رأس المال في عهد الآباء والأجداد كان التمر وجبة رئيسية لهم. فكان الشخص منهم يعمل طوال نهاره لكي يحصل على قوت يومه حبيبات من رطب التمر لتغذية أبنائه. فقد مرت عليهم سنوات صعيبة من التعب والجوع. ولا وجود للكهرباء والهواتف ولا للمباني الشاهقة ولا حتى السيارات. لزوم الشغل ووسيلة التنقّل الإبل والحمير. انقطع القطْر عنهم ما يقارب سبع سنوات. شح وجفاف مات الزرع وجفت الآبار. اضطر المزارعون إلى أن يشدوا الرحال إلى المنطقة الشرقية, ومنهم من ذهب إلى البحرين والكويت والزبير في العراق.. ومن ضمن ذلك الجيل الشاعر محمد عبدالرحمن الشنيفي السبيعي - رحمة الله عليه- الذي ذهب إلى الكويت بحثاً عن الرزق والعمل مع نوخذت البحر ومساعدة أصحاب الغوص.. وكان ينتظر أي مرسول من أهل نجد لكي يأتي له بالأخبار الطيِّبة عن أهله ومزارع النزَّية في المجمعة مدينة المليون نخلة وما تُسمى بالفيحاء.. قال الشاعر بعد أن حارب النوم عينه.
البارحه عيني جزت يا ابن شعلان
ماهيب عادتها السهر كل ليله
أنا.. بلاني لاعني فقد خلان
في ديار غربٍ والمصالح قليله
لا قلت سالو واستردو الأوطان
جا واحد منهم وينفض شليله
فكان الشاعر يعتبر نفسه في ديار غرب بحكم أن ليس له علاقات ولا معارف مع أحد في الكويت. فبعده عن مزارعه وأهله وخلانه هيضت قريحته. إلى أن قال:
جعل السحاب إذا ارتفع فوق شعبان
يسقي ديار ما بها نار جيله
تنشي عليهم من هماليل الامزان
نوٍ على نوٍ غليضٍ شليله.
عاد الشاعر إلى المجمعة بعد أن بلغه خبر عن أمطار وسيول المجمعة وعاش باقي حياته في مزرعته في النزَّية ونهضت مدينة المجمعة وازدانت بالمباني, قال أحد أصدقاء الشنيفي وهو يمازحه لماذا لا تبيع مزرعتك وتسكن في البلد... قال الشنيفي:
النزَّية داري اللي عشت فيها
حبها ماهوب تمحاه الليالي
وانت ياللي ماتبيها لاتجيها
جايزٍ لي مقعدي فيها لحالي
الغرايس تعتني باللي يجيها
كنها عندي حسينات الدلالي.
رحمة الله على الشاعر وأسكنه فسيح جناته. أتمنى أني قد وفقت في سرد وصياغة القصة وبعض من أبيات شاعر قديم من نجد...
ماجد أحمد الثميري - المجمعة