مازلت أتذكر مشهد رجل دنمركي أخذ يتمايل مع إيقاع العرضة التي أدتها إحدى الفرق الفلكلورية في كوبن هاجن أواخر السبعينات الميلادية، ضمن أيام ثقافية وتراثية سعودية هناك. ليس هناك وسيلة حضارية للالتقاء والتعارف ونشر الجوانب الحضارية والإنسانية والثقافية بين المجتمعات أفضل من إقامة المهرجانات الثقافية والتراثية للتعريف بالمجتمع لدى الآخرين،
كما والتعرف على الآخرين أيضاً باستقبال مهرجاناتهم وأيامهم الثقافية. ولا يخفى على وعي القراء الكرام أن المملكة ودول الخليج عامة قد انشغلت عن هكذا مشاريع حضارية لأسباب قد يطول شرحها. على أنها انطلقت كما ذكرت بالنسبة للمملكة منذ نهاية السبعينات واستمرت حتى نهاية الثمانينات الميلادية، لكنها بدأت تعود لحسن الحظ مع الطفرة التنموية والتعليمية والثقافية التي تشهدها المملكة حالياً، وخصوصاً مع تواجد عشرات الآلاف من الطلبة والطالبات في العديد من الحواضر والعواصم الأمريكية والأوروبية والآسيوية.. هذا إلى جانب الحراك الثقافي والإعلامي والسياحي الذي حرك مثل هذه الأيام الثقافية السعودية وأعاد لها الحياة من جديد، لتصحيح الصور المشوشة أو الناقصة عنا لدى الآخرين، بأننا نفط وصحراء وإبل.
كان رائعاً إقامة أيام ثقافية سعودية في ألبانيا، ذلك البلد الأوروبي المسلم والمتعطش لمعرفة المجتمع السعودي عن قرب، ثقافته وطبيعته، ولنسخ من القرآن الكريم وشربة من ماء زمزم.. البانيا، هذا البلد الذي خنقت هويته على يد الحكم الشيوعي لعشرات السنين، حتى استطاع الفكاك فاستعاد انفاسه وراح يتلمس طريقه نحو الحياة، فما أجدره بأن يلقى منا كخليجيين وعرب اللفتة الحانية ومد الأيادي وجسور التواصل، وما هذا المهرجان ومثله الا أحدى هذه الجسور. وهذا ينطبق على جمهورية البوسنة والهرسك وغيرها كثير، كما وعلى كل الدول المتحضرة والمحبة للتعايش والسلام.
إن عوائد المهرجانات الثقافية لاتنحصر في النواحي الثقافية فقط كما لايغيب عن فكر القراء الكرام، وانما يتجاوزها حضارياً واقتصادياً وسياسياً كذلك، وليت دول الخليج وهي تتشوف إلى اتحاد يجمعها، ليتها تقوم بتنظيم مهرجانات موحده تمثلها، فتطوف بها حواضر اوروبا وآسيا وإفريقيا، تلك القارة التي بدأت في بعض نواحيها تنفض عنها تراب الوهن والتخلف، فتكون تلك المهرجانات رسائل حضارية وإسانية تصحح صوراً سلبية تعميمية لدى بعضهم وتبرز وجوها إنسانية وثقافية ومنجزات حضارية واقتصادية.. أن لدى دول الخليج خبرات معتبرة في هذا المجال ومع تظافر جهودها وخبراتها ننتج مهرجانات راقية مع توفير للجهد والأموال.. وكما قلت هناك دول وشعوب تتوق إلى معرفة (دول النفط)، وصحيح أن ثورة الاتصالات قد وفرت المعلومات عن كل شي تقريباً، ولكن المشاهدة المباشرة والمعايشة، وجمع الموروث الثقافي والإنجاز الحضاري والصور الإنسانية الاجتماعية في مكان واحد لدى الآخرين له تاثير لا يمكن توفره على شاشة كمبيوتر أو هاتف ذكي أو شاشة فضائية.
كما وأن الإعداد الجيد والمدروس خصوصاً كما قلت إذا توحدت المهرجانات الخليجية في مهرجان ثقافي خليجي واحد، على أن يسبقها حملات ترويجية وإعلامية، كما ودعوة الرموز الفكرية والثقافية والفنية لدى الدول المستهدفة وذلك لزيادة عمق وتأثير هذه المهرجانات، كل هذا وغيره سيكون له آثار ومكاسب حضارية واجتماعية لنا ولهم بالطبع تمتد إلى المنافع الاقتصادية والسياسية.. والله يرعاكم.
omar800@hotmail.comتويتر @romanticmind1