حينما نتأمل أو نتابع دور الرقابة بشكل عام في حياتنا المادية والمعنوية فلا بد أن نستشعر أهميتها وحيويتها ودورها الكبير في كشف الكثير من التجاوزات، أو العبث، أو الأخطاء وسوء الإدارة، بقصد أو بغيره.. إلا أننا في هذه المطارحة نود أن نشير إلى حالة معينة من هذه الرقابة، تتمثل في الرقابة الإدارية والمالية في المجال الخدمي.
وحينما نكون أكثر تحديداً في هذا السياق فإننا نتوقف عند الرقابة على القطاع الخاص أو الأهلي، الذي لا يزال أكثره يعاني - رغم حضوره - من قلة الجودة، وعدم الأهلية، وتواضع المنتج، وعدم اكتراثه بأي محاولة للنقد والتقييم؛ فأصبح جله تنطبق عليه مقولة: “لا رقيب أو حسيب”.
وأقرب مثال على تردي الخدمات وتواضع الإمكانات ما نجده في المدارس الأهلية، التي ما زالت في نهاية كل عام دراسي ترفع رسوم العام الذي يليه، وتدعي أنها ستطور المناهج والمرافق، إلا أنه لا يحدث شيء من ذلك.. حتى أنها لا تعير أي اهتمام لدور الرقابة، بل تفعل ما تريد دون خوف أو وجل!
فكلنا نذكر وعود المدارس الأهلية في كل عام دراسي بأنها ستطبق مقابل الزيادة في الرسوم العديد من الخطط والبرامج واللوحات، ووسائل وفصول ذكية وبرامج إثرائية.. وكل هذا يذهب أدراج الرياح، أو يقبع في أدراج المنظمين والمخططين؛ ليتحول في غضون أشهر إلى مجرد كلام لا أساس له، وحينما تتأمل دور الرقابة ستجده غائباً أو مغيباً، ونشاطه دون المأمول بكثير.
وهناك رقابة نائمة أو خاملة على ما هو أولى من التعليم، وهو المستشفيات والمستوصفات الأهلية، التي بات أكثرها وكأنها سوق لجمع أكبر قدر من المال، حتى وإن كان على حساب الأمانة الطبية والجودة والمعايير المناسبة، ولا نقول هنا المعايير العالمية؛ لأنها باتت بعيدة المنال، وصعبة التحقق.
فحينما يكون هناك تجاوز ما في مثل هذه المستوصفات الربحية فإنك لا تجد من يراقبها، أو يُشهِّر بها.. وفضلاً عن ذلك، فإن غياب الرقابة الوقائية واضحٌ، وإن وُجدت فإنها شكلية، أو تمتلك حساً بليداً للأسف.. إما بتمرير ما قد يكون تجاوزاً، أو أن يتجاهله بقصد أو بغيره.
فضعف الرقابة بشكل عام على كل ما هو شأن أهلي أو قطاع خاص بات أمراً مألوفاً، وأسبابه تتمحور حول ضعف القطاع الخدمي الحكومي الذي ينعكس على القطاع الخاص، ويسهم في تراجعه.
فالعلاقة بين القطاعين الحكومي والأهلي محكومة بفكرة “رمي الأحمال عنها”، أي أن الكثير من الجهات الحكومية باتت ترحب بتخصيص بعض المشاريع، وتُقدم عليه، إلا أنها من حيث الشراكة يتطلب أن تكون قائمة، ولا تنفصل عنها؛ ليسهل متابعتها رقابياً من أجل تحديد أوجه التجاوز ومحاسبة المقصّر.
أما الأهم من هذا وذاك فإنه يتمثل في العلاقة بين القطاع الأهلي والمواطن؛ إذ إن هذه العلاقة غالباً ما تكون هشة ومرهونة بعلاقات مادية بحتة، وواجبات سطحية، ركيزتها الأساسية الدفع مقدماً، أو على أقساط.. وما إلى ذلك من سبل تدعم فكرة التكسب والربح وحسب.
hrbda2000@hotmail.com