هذا العجز هو ما حدث لي، الليلة قبل البارحة، عندما وقفت غير قادر على التعبير عن الشكر الجزيل لمن تَفضَّلوا بتكريمي، في منتدى الصديق العزيز الدكتور بامحسون الثقافي المرعي من قِبَل الأخ الكريم عبد الله باحمدان، ومن تَلطَّفوا بالحديث عني؛
وهم الأخوان الكريمان الدكتور بامحسون والفاضل باحمدان، والإخوة الذين أسعد وأعتزُّ بصداقتهم، الأَحبَّة الزملاء : الدكتور عبد العزيز الهلابي، والدكتور محمد الهدلق، والدكتور عبد الرحمن الشبيلي، والأستاذ سعد البواردي، الذي هو قدوة لي ولأبناء جيلي، ومُقدِّم تلك الليلة المبهجة. وإني لعاجز، أيضاً، عن التعبير عن الشكر لمن شَرَّفوني بحضور هذا التكريم؛ وفي طليعتهم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل. فجزى الله الجميع كل خير.
أما بعد:
فقد تَحدَّث الإخوة الأفاضل عني بحيث أنه لم يبق أمامي إلاّ أن أَتحدَّث باختصار عن شيء من نِعَم الله عَليَّ؛ وذلك في ميدان تَخصُّصي وهو تاريخ هذا الوطن.. المملكة العربية السعودية. وقصتي مع التاريخ قصة يطول سردها، لكن من ملامحها أني ذهبت إلى هذا التخصص مكرهاً لا مختاراً. (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). وكان عَليَّ أن أَتَكيَّف. ومن حسن حَظِّي أن طائفاً من نسيمٍ عَطِر سرعان ما هَبَّ فأنعش ذلك التكيُّف. ذلك أنّ أستاذي الجليل الدكتور عبد العزيز الخويطر، الذي كان أَوَّل سعودي ينال الدكتوراه في التاريخ، أصبح يُدرِّسنا تاريخ وطننا العزيز بطريقة علمية منهجية رائعة. وبذلك وجدت نفسي أكثر تَقبُّلاً لدراسة التاريخ. وكان قرار ابتعاثي للدراسة العليا في بريطانيا قد نُصَّ فيه على أَلاَّ يكون موضوع دراستي هو التاريخ السعودي؛ بل تاريخ العرب في شرق أفريقيا. لكن المشرف على دراستي العليا في جامعة أدنبرا، البروفيسور المستشرق مونتجومري وات نصحني أن يكون موضوع أطروحتي الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فاستحسنت نصيحته. وهكذا بدأت أولى خطواتي في ميدان تاريخ هذا الوطن العزيز. وفي عام 1392هـ/1972م حصلت على الدكتوراه. وكان عنوان الأطروحة: محمد بن عبد الوهاب: الرجل وأعماله. وهي أول دراسة أكاديمية تشتمل على إيضاحٍ لأوضاع نجد قبيل ظهور ذلك المصلح بدعوته؛ تاريخيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وعلميّاً ودينيّاً، مع تبيان مُفصَّلٍ عن حياته ودوره في الدولة السعودية، التي ناصرت دعوته وانتصرت بها؛ إضافة إلى تحليل لكتبه ورسائله، وإيرادٍ موضوعي لآرائه هو وأنصاره من جهة وآراء معارضيهم من جهة أخرى في مسائل التوحيد وما يَتَّصل به. ثم توالت كتاباتي عن التاريخ الوطني حتى بلغ عدد ما صدر لي حتى الآن في هذا المجال ستة عشر؛ تأليفاً، وأربعة ترجمة، وثلاثة دراسة وتحقيقاً. ويضاف إلى ذلك تأليف أربعة مقررات دراسية في مراحل التعليم العام، وإلقاء محاضرات وبحوث في مؤتمرات وجامعات داخل المملكة وخارجها باللغتين العربية والإنجليزية. ومن الجامعات التي ألقيت فيها تلك المحاضرات والبحوث أربع أمريكية بينها هارفرد، وثلاث بريطانية بينها درم وأكسفورد، وثلاث إيطالية بينها باليرمو و بولونيا.
وإذا كانت كتابتي عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالصفات التي رأيتها فإني سأشير، أيضاً، إلى ما أظن أنّ له ريادةً من كتاباتي الأخرى أو له شهرة نابعة من الانتفاع به. فمما له ريادة كتابي عن نشأة إمارة آل رشيد، الذي أصدرته جامعة الملك سعود عام 1401هـ؛ وهو أَوَّل دراسة علمية منفردة عن تلك الإمارة معتمدة على مصادر مُتعدِّدة بينها الوثائق وكتب الرَّحالة الأجانب والشعر النبطي. وبعد صدور تلك الطبعة وجدت من تشجيع بعض من قرأوها ما أُجلُّه وأُقدِّره. ومن ذلك التشجيع إمدادي بما يملكون من معلومات و وثائق خاصة، ومنه ما أبداه لي من ملحوظات طلبة الدراسات العليا وطالباتها، وما أَمدَّني به المسؤولون في دارة الملك عبد العزيز ومركز الوثائق في أبو ظبي من وثائق. وهذا ما جعلني أعيد كتابة ذلك العمل بحيث ظهر في طبعته الثانية، عام 1411هـ، أكثر من ضعف حجمه في الطبعة الأولى. وفي ذلك العام نفسه صدر لي كتاب: العلاقات بين الدولة السعودية الأولى والكويت. وهو أَوَّل دراسة تحليلية مُوثَّقة في موضوعه. ويلقي ضوءاً على ما كان ملتبساً على البعض عن تاريخ نشأة الكويت، كما يُوضِّح ما ورد من خَلَل في بعض الدراسات غير المُستقصية.
وبين الكتب التي صدرت لي كتاب تاريخ المملكة العربية السعودية الذي صدر الجزء الأول منه عام 1404هـ، ثم تَكرَّرت طباعته بحيث كانت آخر طبعة له هي السابعة عشرة. وقد ترجمته جامعة باليرمو إلى الإيطالية، كما تُرجِم إلى الألمانية. وهو مُعدُّ الآن للنشر مُترجماً إلى الفرنسية والأوردية والإنجليزية.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أشكر زملائي وزميلاتي في جامعات المملكة وكلياتها على نصح الطلبة والطالبات بأن يكون في مُقدَّمة الكتب التي يُرجَع إليها. وإنّ هذه الثقة التي أُوليتها لتاج أضعه على رأسي، وسعادة لا تُحدّ؛ إذ أشعر أنه قد انتفع به الآلاف من أبناء الوطن وبناته.
أما في مجال الترجمة فقد رأيت عدم الاكتفاء بترجمة النصوص إلى العربية؛ بل قمت - إلى جانب ذلك - بكتابة مُقدّمة إيضاحية لكل عَملٍ مُترجَم والتعليق على ما رأيت أنه يحتاج إلى تعليق. وكان أَوَّل ترجمة ترجمتها كتابة الرَّحالة السويسري بوركهارت تحت عنوان مواد لتاريخ الوهابيين؛ وذلك عام 1405هـ؛ وهي أَوَّل ترجمة له إلى العربية. وما كتبه ذلك الرحَّالة يَتَّسم بالحياد إلى درجة كبيرة، والاشتمال على كثير من المعلومات التي لم توردها المصادر الأخرى؛ مُؤيِّدة لدعوة ابن عبد الوهاب وأنصاره أو معارضة لها.
ومما ترجمته ما كتبه فيلبي بعنوان بعثة إلى نجد؛ وهو أَوَّل كتابة له عن الجزيرة العربية. وفيه من المعلومات ما لا غنى عنها لمن يريد معرفة ما كان يدور في جزيرة العرب وما حولها في زمن تلك الكتابة من أحداث ذات أَهمِّية قصوى.
وفي مجال التحقيق كان أَوَّل عمل قمت به كتاب كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لمؤلف ما زال اسمه - بالنسبة لي - مجهولاً، وإن كان من الواضح أنه من أهل نجد المُتحمِّسين جدّاً لدعوة ذلك الشيخ. وقد كُتِب إبَّان حياة عبد العزيز بن محمد بن سعود، ثاني حكام الدولة السعودية الأولى. وفيه من الفوائد عن غزوات قامت بها تلك الدولة ما لم تذكره مصادرها الأخرى كابن غَنَّام و ابن بشر. وقد نشرته دارة الملك عبد العزيز أَوَّل مرة عام 1403هـ، ثم أعيدت طباعته سنة 1414هـ. وآخر إنتاج لي في مجال التحقيق كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب، لحسن الريكي. وقد أصدرته دارة الملك عبد العزيز عام 1426هـ. وكان الدكتور أبو حاكمة قد حَقَّقه ونشره تحت اسم لمؤلف مجهول. فله فضل ريادة تحقيقه ونشره، لكنه لم يكن دقيقاً في عمله ولا في حكمه على موقف مُؤلِّفه. ثم حَقَّقه، وعَلَّق عليه، الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، وأصدرته دارة الملك عبد العزيز سنة 1394هـ. وأرجو أن يكون فيما قمت به من دراسة لهذا الكتاب وتحقيق له، وتعليق على ما ورد فيه، نفع لقرائه.
وأما ما كتبته مما يُسمَّى شعراً أو نظماً فقد بدأت كتابته وأنا في السنة الثانية من المرحلة المتوسطة في المعهد العلمي. وقد صدرت لي فيه تسع مجموعات؛ إضافة إلى قصائد لم تصدر بعد. وكان ممن تَحدَّث عنه شيخنا عبد الله بن إدريس في كتاب شعراء نجد المعاصرون، والزينو السلو من حلب، الذي خَصَّص له الفصل الحادي عشر من كتابه شعراء تحت الضوء، الصادر عام 2001م، وممن كتب عنه الدكتور أحمد مطلوب، رئيس المجمع العلمي العراقي؛ وذلك في كتابه عني الذي أصدره المجمع عام 2009م بعنوان عرار نجد: قراءة في شعر عبد الله العثيمين، وأعادت نشره الدار العربية للموسوعات عام 2011م. على أنّ لحديث الأَحبَّة الذين تَلطَّفوا بالحديث عني في هذا المساء مذاقاً آخر أعجز - كما قلت في مستهل الحديث - عن التعبير عن شكره. وَفَّق الله الجميع للخير والسداد.