كنت أشعر بالقلق من المستقبل عندما أقرأ في السابق عن أن مصدر الدخل الوطني يعتمد اعتماداً شبه كلي على النفط، وأنه يشكل أكثر من 90 % من الدخل القومي، لكنني وصلت لقناعة وطمأنينة لا يشوبها قلق، عندما اطلعت على آخر تقرير عن أن صادرات السعودية غير البترولية تراجعت إلى 5.9 % في شهر مارس الماضي، مضمونها أن الدعوات المتكررة لإصلاح الوضع من أجل مستقبل أقل اعتماداً على النفط لم تبدأ بعد، وربما لن تبدأ في المستقبل القريب، وبناء على ذلك يجب أن نتحلى بالشجاعة، ونبدأ مرحلة الاستعدادات الذهنية والنفسية والاقتصادية لما بعد زمن النفط.
ومنها أن نتخلص من ذلك الشعور الفوقي الذي جعل من بعضنا يعتقد أن لديه خصوصية مختلفة عن بقية شعوب الأرض، وأن الله عز وجل اصطفى السعوديين لتكون خير أمة أخرجت للناس، و أن يتدرب المواطن على أن يخفض رأسه، بعد أن تعبت رقابنا من رفع الرؤوس استجابة للشعار الوطني (ارفع رأسك أنت سعودي)، وأن نغير من طريقة تعاملنا مع العمالة الأجنبية، وأن نحسن إليهم، وقبل ذلك أن نتعلم منهم مهارات العمل في الأسواق في مختلف المهن، وأن نقوم في إجازاتنا الأسبوعية بأداء أدوار السائق والخادمة المنزلية، وأن نعيد إحياء المهن اليدوية التقليدية كدبغ الجلود والاحتطاب وبناء البيوت الطينية، وذلك استعداداً لما بعد النفط.
أن نخفف من تلك النعرة القبلية التي تضخمت عشرات المرات بعد الطفرة النفطية المادية، وأن نتوقف عن رسم كافة التفاصيل في أشجار العوائل، وذلك تهيئة الأجيال القادمة للخضوع للظروف الاجتماعية المقبلة، ليكون لديه الاستعداد الذهني للعمل في أعمال كان يعتبرها وضيعة في السابق، وأن نطلق بالتدريج بعض القيود المكبلة لحرية سلوك الأفراد، وأن نتوقف عن محاولة إظهار المجتمع في هيئة الملتزم بالتعاليم الدينية الصارمة، أو أن الدعاة الذين يشكلون نسبة غير قليلة من المجتمع لا يحتاجون إلى عمل، لأن واجبهم في هذه الحياة هو هداية البشر أجمعين إلى الطريق القويم، وأن نفكر أن الحاجة في المستقبل قد تفرض حرية بلا قيود، لذلك من الأفضل ان نتساهل في تطبيق القيود، قبل أن تُكسر من قواعدها.
أن نبدأ في أخذ دورات تدريبية في العمل خارج الوطن، وفي التكيف مع الغربة الجديدة، ليس كمبتعث في جامعات الولايات المتحدة و أوروبا، ولكن كعامل في بلد آسيوي مجاور، ومنها أن نعمل على تحسين سيرتنا الذاتية، والكف عن تلويث اسم العائلة بتهمة الإرهاب والاقتتال في شتى بقاع الآرض، كما يجب أن نمسح من ذاكرتنا الحالية أيام السياحة في بلاد الشرق والغرب، وأن نعلم أولادنا السباحة في السيول، و “ الكعابة “، و “ عظيم سرى “، وقيادة “ السيكل “ على جدران المقابر،وأن نبدأ حملة وطنية ضد الكروش و مشالح الزري والعقال والغترة البيضاء، وأن نتدرب جميعاً كيف نتلقى الأوامر، وكيف نستجيب لها، وأن نكون أكثر تواضعاً في مظهرنا، وأن نتخلص من الألقاب التي لن يكون لها نفع في المستقبل، إذ لا يمكن أن يكون أحدنا “ طفران “ ومفلسا، ويطلب أن نناديه بصاحب المعالي والفضيلة.
أن نتعلم كيف نتقبل واقعنا الجديد، وأن نكسب عيشنا اليومي بدون عنف، وأن نجيد فن التعامل في زمن ضنك العيش من خلال فلسفة السلم، وأن نفكر في الاستفادة من الخبرات الهندية في المدارس لتعليم التلاميذ فلسفة غاندي السلمية، وذلك من أجل التخلص من طريقة ان يأخذ المرء رزقه بيمناه الموروثة من التقاليد وسلوم العرب القديمة، واستبدالها بالطرق السلمية في الحوار في مواجهة الأزمات المتوقعة.