عرض برنامج «همومنا»، والذي بثته القناة الأولى -قبل أيام-، نماذج لبعض الدعاة ممن حرضوا شبابنا على الزج بأنفسهم في أتون صراعات ملتهبة، -وهم مع هذا- ينسون أنفسهم، ولا يرسلون أبناءهم، دون الالتفات إلى الشروط، والضوابط التي رسمتها نصوص الشريعة، ففارقوا جماعة المسلمين بمصاحبة الغوغاء، ومجاراة أهل الأهواء تحت ذرائع وهمية، ومتناقضة مع الواقع، والمنطق، والعقل.
إن السمة البارزة لهؤلاء الشباب تكمن في حداثة سنهم، وحداثة عهدهم بالالتزام الشرعي، وقلة معرفتهم بفقه الدين، وأحكامه، ومفارقتهم لعلماء هذه الأمة، ودعاتها الربانيين من الراسخين في العلم. -ومع كل ما سبق- فإنك تجدهم -عند عقلاء القوم- غير مرحب بهم في كثير من مناطق الصراع التي يرتادونها؛ بسبب تنفيرهم عن الإسلام، وتشويه صورته، وفتح الباب أمام المتربصين للطعن فيه، والصد عن الدعوة إليه، فأفسدوا أكثر مما أصلحوا.
دون أن تطلع إلى الأمنيات، فإن خطر مواصلة شبابنا إلى تلك الأراضي الملتهبة، والتغرير بهم ؛ ليكونوا حطبا جاهزا للاشتعال تحت تأثير رموز التغرير، وأجهزة دول استخباراتية معادية، ما كان ليكون، لولا أن صوت الإنكار عليهم كان ضعيفا -تصوراً وتطبيقاً-، فحصل التلبيس على آحاد الناس، وتمادى من أفتى لهم، ومن ذهب منهم تحت مسمى الجهاد، من أن بين ما اقترفوا، وبين الهدى أمدا بعيداً.
ثم إن الواقع يشهد -مع الأسف-، أن مصير هؤلاء في الغالب، إما القتل، وإما تقديمهم للمحاكمة غير العادلة، بحجة تلبسهم بتهم قاعدية، أوارتباطهم بالعمل القتالي، بعد أن يتم تجنيدهم، وتحريكهم كأدوات -من حيث لا يشعرون، في -المكان والزمان- المناسبين؛ لتحقيق أهدافهم من قبل المستعمر.
إن أس الجهاد في سبيل الله، لا بد أن يكون خالصا لوجه الله -تعالى-، وموافقا لشريعته. وما لم يكن الأمركذلك، فإنه سيكون خارجا عن مسمى الجهاد الشرعي، ومن ذلك: أن الجهاد -في تلك الصور السابقة- مرهون بإمام المسلمين، -باعتبار- أن مسائل السياسة، فوضتها الشريعة لولاة الأمر القائمين على الدولة المسلمة، وهذا المعنى عبّر عنه إمام الدعوة -الشيخ- محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله-، بقوله: «أمر الجهاد موكول إلى الإمام، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه». كما عبّر عنه - سماحة الشيخ- محمد بن عثيمين -رحمه الله-، حين قال: «الجهاد ماضٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ولكن الجهاد يجب أن يكون مدبراً من قبل ولي الأمر؛ لأنه إذا كان غير مدبر من قبل ولي الأمر، صارت فيه فوضى، وصاركل طائفة تفتخر على الأخرى، بأنها هي التي فعلت كذا، و فعلت كذا ، - وبالتالي - ربما لا تحمد العاقبة، كما جرى في أفغانستان -مثلاً-، فإن الناس -بلا شك- ساعدوا الأفغانيين مساعدة عظيمة بالغة، وكانت النتيجة ما تسمعون الآن».
بقي القول: إن العمل على استرداد عقول هؤلاء الشباب قبل أجسادهم، ومحاربة جهود التفريط، لن يكون إلا بتسليط الضوء على فكرة الجهاد الصحيح، وأسسه، وقواعده التي يبنى عليها، وهي مهمة العلماء الراسخين في العلم قبل غيرهم؛ لإبراز رسالة الإسلام، والاهتمام بمقاصد الشريعة، ومنها: فريضة الجهاد -كما بينت-، بعد أن طالته أيادي العابثين، وأفرغته من مضمونه بما لا يقره شرع، ولا يرضاه عقل.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية