قال تعالى: في كتابه القرآن العظيم: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269) سورة البقرة.
وفي حديث نقل عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً سلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها).
كان هذا التقديم المختصر للحديث عن شخصية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع- يحفظه الله ورعاه- بمناسبة زيارته الأخيرة لمدينة - يثرب - المدينة المنورة للاحتفال بمدينة الرسول الكريم التي أطلق عليها عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013م علماً بأن هذه المدينة لها تاريخ قديم الزمن وموثق مضى عليه ما ينوف على أربعة عشر قرناً باعتبارها أول عاصمة إسلامية جعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام وانطلق منها شعاع نور الإسلام للعالم أجمع.
وأكد الأمير سلمان في زيارته للمدينة المنورة ضرورة توثيق تاريخ هذه المدينة الإسلامية الأولى لتكون منارة للجميع لنشر ثقافة الإسلام بين الأجيال المتصاعدة لمعرفة تاريخ وطنهم الذي انطلقت منه رسالة الإسلام والسلام بين الأمم.
عند ظهور الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة مهبط الوحي قامت الحرب فيها باعتبارها تحتضن البيت العتيق بين التوحيد والشرك.
فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: افتحوا لي الطريق لأخرج إلى الأرض الفضاء، وأنصر الضعيف وأنجد المظلوم وأعيد اللبشرية كرامتها، وللعقل سلطانه، لذلك كانت الهجرة ليثرب مع نزول سورة الفتح هي التي جعلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعمل للسلام راغباً عن القتال للدفاع عن حرية الدين وعن العقيدة وأقام عهد التحالف بين المسلمين والمهاجرين والأنصار مع اليهود حيث عاهد اليهود وأقرهم على دينهم وحياتهم، وكانت تلك المعاهدة عبارة عن حلف وعهد ودستور، وهو أول حوار حضاري بين الأديان السماوية شهدته الثقافات السماوية قائلاً لليهود: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) سورة الكافرون.
ومن هذا الموقع التاريخي للأمير سلمان بأنه رجل التاريخ في المملكة ومن حرصه على توثيق حضارة المملكة، وهو السياسي المخلص لوطنه، وآتاه الله الحكمة، وهو يقضي بها ويعلمها لأبنائه ثم لأبناء المملكة العربية السعودية.
إن الأمير سلمان هو من رجال القيادات السعودية ومنذ توليه منصب إمارة الرياض وظف مواهبه لخدمة مدينة الرياض باعتبارها عاصمة المملكة العربية السعودية إنه شخصية مؤهلة لحمل المسؤولية وكان تطور هذه المدينة وتحولت من مدينة رملية صغيرة إلى عاصمة عالمية، وأصبح لها وزن عالمي ومركزكبير على الساحة الدولية.
ويتمتع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بقوة العزيمة والشجاعة والرقي ملتزماً بالأسس الثابتة التي وضعها والده لكل أبنائه لمفهوم الدولة الحديثة. وأكرر بأن الأمير سلمان أصبح الشخصية الموهوبة لتوثيق هذا المجد الثقافي المتألق لتاريخ المملكة وحضارتها، لأن سعادة المملكة بأبنائها الذين تثقفت عقولهم وحسنت تربيتهم واستنارت بصيرتهم واستقامت أخلاقهم بالدين السماوي الذي حمله الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
وأقول الحق إن الأمير سلمان إنما هو أعظم ثروة حضارية حقيقية لهذا الوطن الكبير الذي انطلقت منه نور السماء للعالم أجمع ونشرها في هذا الكون الذي استخلفه الله العظيم لمخلوقاته.
لذلك كان الأمير سلمان أميراً للصحافة من طموحاته التي وثقها منتصف عقد الثمانينيات من القرن العشرين الماضي ودعته تطلعاته لأن ينقل حضارة المملكة ثقافياً واجتماعياً وإنمائياً إلى العالم أجمع لتصحيح المعلومات الخاطئة المرفوضة عن شبه الجزيرة العربية.
ومن إنجازات الأمير سلمان التاريخية كان إقامة معرض المملكة بين الأمس واليوم الذي طاف به سموه القارات الخمس، وكان صوراً مجسمة للإنجاز الكبير الذي شهدته المملكة من خلال مراحل تطورها وتقدمها الحضاري للجوانب التاريخية والتراثية والاجتماعية والعمرانية وإقامة المشاريع الضخمة. لذلك شاهد العالم العربي والإسلامي والغربي هذا التطور من خلال زيارة المعرض الذي أقيم في عواصم الدول الكبرى وتضمن المعرض المتنقل صورا تاريخية تزيد على 800 صورة تلفزيونية ناطقة عن كل مراحل التطور في مجالات مختلفة مع مجسمات لمدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والرياض والدمام ولمصانع الشركات الضخمة، والطاقة الشمسية التي تمتاز بها أراضي المملكة باعتبارها قائمة على خط الاستواء.
وكان هذا المعرض ثقافيا حضاريا متنوع الأهداف يعبر عن تواصل المملكة بين القديم والحديث. وقد أتيحت لي الفرصة لأن أرافق سمو الأمير سلمان في أكثر رحلاته إلى العواصم العالمية لتغطية هذا الحدث الهام الذي بدأ عام 1986م،وانطلق أولا في القارة الأوروبية، وكانت العاصمة الفرنسية باريس وأقيم المعرض في شهركانون الأول (ديسمبر) 1986م في عهد الرئيس جاك شيراك وشارك الأمير سلمان في افتتاحه.
وأذكر بهذه المناسبة أنه في ذاك التاريخ كنت مستشاراً لمجلة أرابيز التي صدرت حديثاً في باريس باللغة الفرنسية ويرأس تحريرها الصحافي اللبناني الزميل ياسر هواري وأصدرت ملحقاً خاصاً عن معرض المملكة وتاريخ المملكة ومنجزاتها. واغتنمت الفرصة خلال جولة شيراك والأمير سلمان في المعرض، وقدمت لهما نسخة من هذا الملحق، ولم أكد أن أشرح للرئيس شيراك مضمون الملحق حتى استوقفني سيدي الأمير سلمان وهو يتمتع بحضور ذهني وخاطب الرئيس الفرنسي بقوله: «فخامة الرئيس هذه أرابيز الناطقة بالفرنسية في عاصمتكم إنها تشرح ما بلغته حضارة المملكة منذ الماضي والحاضر».
وقدم الرئيس شكره لضيفه الأمير سلمان قائلاً: إننا نشاهد في جولتنا تلك المنجزات التاريخية لوطنكم الحديث، وشكراً على هذا الملحق الذي يحدثنا عن هذا التاريخ باللغة الفرنسية وصدوره في العاصمة باريس والتي اتخذته المجلة لتكون مقراً لها وتكشف تاريخ الحضارة السعودية، وعبر عن شكره الخالص بلغته الفرنسية عن هذه المشاهد التاريخية، كما شكرني شخصياً على هذا الملحق.
وأقول وبكل صدق: إن رفقة الأمير سلمان في رحلاته خارج المملكة كانت ممتعة للغاية لرجال الصحافة الذين رافقوه في رحلاته، إنه لطيف المعشر مع الجميع يمازح بعضهم والجميع إخوة، ويخاطبهم بكل تهذيب باعتبارهم أصدقاء الرحلة، وكان يتميز بسلوكه الأدبي الأخلاقي إنما يمثل أرباع حياة الإنسان.
وفي الختام أسجل ما قاله الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي في ديوان شعره عن النهوض بالأوطان حيث قال:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
فالأمير سلمان شخصية دؤوبة في أعماله، إنه الرجل الصالح للعمل الإداري المنظم للدولة في هذا الوطن بفضل الخبرة التي اكتسبها في حياته العملية حفظه الله وأمده بالعمر الطويل.