تمثل مشكلة البطالة وتوظيف القوى العاملة والمؤهلة واحدة من أهم القضايا التي تشغل بال القائمين على أمر توظيف الكفاءات الجامعية. وبما أن التنمية بإطارها الشامل تعتمد على مدى الخبرة المكتسبة وصناعة المعرفة والمهارات التقنية التي يمتلكها رأس المال البشري من جهة.. وعلى مدى الحكمة والعقلانية في توظيف الموارد المالية والبشرية من جهة أخرى، فقد باتت المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل ضرورة ملحة تفرضها التحولات والتطورات التي تمر بالوطن، وبالتالي أصبحت غاية لتحقيق تنمية شاملة تتمثل في تحسين جودة حياة المواطن في جميع مناحي الحياة.
لقد أدى التركيز على التعليم العام إلى زيادة مخرجات التعليم الثانوي وبالتالي زيادة الضغط على مؤسسات التعليم العالي، وهذا بدوره أدى إلى التوسع الكمي بإنشاء عدد أكبر من الجامعات في القطاعين الرسمي والخاص، فنجم عن ذلك زيادة مطردة في مخرجات التعليم العالي، الأمر الذي أفرز زيادة هائلة من الضغط على التوظيف خاصة في القطاع الحكومي.
من هنا تفشت ظاهرة البطالة والفراغ.. وزادت نسبة معدلات العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات مما شكل عبئاً على الجهات المعنية لتوفير فرص وظيفية ومناسبة لهذا الكم الهائل من الخريجين.
إن مواءمة التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل لم تكن قضية مطروحة للتداول عندما كان سوق العمل يستوعب جميع خريجي مؤسسات التعليم العالي، وبالتالي يوفر لهم الوظيفة المناسبة لشغلها، إلا أن مجمل التحولات والتغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة جعلت من هذه المواءمة قضية جوهرية تحتاج إلى دراسة معمقة لهذا فالسؤال الضمني الذي يطرح نفسه في الوقت الحالي هو (هل من جدوى للإنفاق ببذخ على نظام التعليم إن لم يكن قادراً على تخريج منتج تعليمي بمواصفات تحتاجها القطاعات الإنتاجية في الوطن..!!؟).
إن قضية المواءمة والتوافق بين مخرجات الأنظمة التعليمية ومتطلبات سوق العمل في أي بلد أصبحت تكتسب أهمية حيوية ورؤية بعيدة المدى تجاه التطورات والتغيرات المستقبلية للأوطان.. لذلك فللحد من تفاقم ظاهرة الإقبال على مؤسسات التعليم العالي وتنامي نسبة معدل البطالة بين الخريجين لابد من منح التعليم والتدريب المهني بمسمياته ومستوياته المختلفة زيادة من الاهتمام، وهذا يتمثل في التوسع بزيادة عدد الكليات التقنية ومعاهد التدريب والتأهيل المهني.. وأن يكون توسعاً كمياً على مستوى الوطن بأكمله بمعنى ألا يكون محدوداً بمدينة واحدة أو مقتصراً على المدن الكبرى فقط، وذلك لإتاحة الفرصة أمام جميع الطلاب الراغبين الالتحاق فيها، مع الحرص على تشجيع ودعم المنتسبين إليها مادياً ومعنوياً، خاصة بعد تخرجهم ومكافأة المتميزين.. بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية هذه المنظومة التعليمية.. ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإلغاء النظرة السلبية تجاه هذا النوع من التعليم.
إن الأوضاع والمتغيرات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي تتطلب ضرورة مراجعة شاملة وجذرية لمكونات وأسس الاقتصاد الوطني بغرض تطوير أدائها وزيادة قدراتها التنافسية.. وبناءً على ذلك باتت الضرورة ملحة للاهتمام بمخرجات التعليم من خلال أنشطة التعليم المهني والتقني وتأهيل الطلبة بما يتماشى ويلبي احتياجات سوق العمل، ليس على النطاق المحلي بل على المستويين الإقليمي والدولي، وهذا ما يجعلنا نقول إن للاقتصاد علاقة قوية تربطه بمخرجات التعليم.. وهي علاقة طردية تتضح معالمها في اتجاهين متوازيين هما: التعليم يزود الاقتصاد بالمعارف والقوى العاملة المؤهلة.. والاقتصاد يقدم لمنظومة التعليم ما يلزمها من موارد مالية ومادية لأداء وظيفتها.
إن ما يواجه التعليم العالي في هذا العصر من تحديات تفرضها عليه مجموعة تحولات ومتغيرات عالمية وسريعة.. من ترسيخ لمفهوم العولمة والتجارة الحرة وسرعة التواصل التقني وتحديات أخرى تتصل بالزيادات المخيفة في نسب معدلات البطالة.. وعدم ربط مخرجات التعليم المهني والتقني باحتياجات سوق العمل أوجد فجوة نوعية بينهما، ولتفادي هذه الفجوة لابد من الاهتمام بمعايير المهن التي تلبي الاحتياجات النوعية والكمية لسوق العمل لتواكب التطورات والمتغيرات التي تزداد يوماً بعد يوم.. إضافة إلى تعزيز الشراكة الحقيقية بين سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي والمهني، بهدف توحيد الرؤية المستقبلية لسوق العمل.. وبالتالي تحقيق الكفاءة والجودة والمواءمة الحقيقية والفعلية بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
zakia-hj1@hotmail.comTwitter @2zakia