لا نختلف على أن بحث الفنانة أو الفنان عن الفرص التي تخدم إبداعهم أمر طبيعي، وجزء من الطموح، وحل لكثير من المعوقات التي قد تعترض للفنان عند رغبته التحرك نحو آفاق أوسع في مجاله.
لكن.. حينما ينفلت الأمر وتضيع الطاسة، كما أشرنا في زاوية سابقة فإنّ ما يمكن حدوثه قد لا يمكن تفاديه أو معالجته، إذا علمنا أن ما يقدم في الفنون التشكيلية لا يقل أهمية وخطورة عن المقالة أو القصيدة، حينما يراد بهم الإساءة للمجتمعات فكراً أو ذائقة، باستثناء الفنانين من أصحاب الخبرات والتجارب الحريصين على الهوية العارفين لدورهم في المشاركة ببناء حضارة أوطانهم، بأن لا يكون إبداعهم مطية أو سبيل للإساءة لوطنهم بما تتضمّنه بعض الأعمال من مواضيع يمنح فيها الفرصة لمن يكنّ العداء لنا، باعتبار ما يطرح فيها وثيقة وشاهد رغم عدم مصداقيتها، حيث أصبحنا نرى ونسمع عن معارض تقام هنا وهناك لشباب الوطن من هواة الفن ممن أعمارهم وعقولهم لا زالت غضة، تمارس إبداعها دون علمها بما يمكن أن يكون عليه الأمر في حال إدارتهم واستقطابهم من قِبل أفراد غربيين وحتى عرب لا نتفق مع توجههم، من أصحاب السبل الملتوية للابتزاز المادي عند تقديم عروضهم المؤطرة بخدمة الفن السعودي يتلقّون بهذا الإطار الخادع دعماً من مؤسسات كبيرة كريمة لا تتردّد في دعمهم حباً في أبنائنا.
وإذا كنا لا نعترض على اكتساب الخبرات الأخرى، إلاّ أن علينا أن نكون حريصين فيما يخص مجالات الفكر بكل تفاصيله، ديناً وسياسة واقتصاداً وهوية وتراث وطن، وهي القضايا التي يشترك في التفاعل معها كل المبدعين، بأن لا نترك الحبل على الغارب لهؤلاء المتصيّدين لشبابنا من التشكيليين بإغرائهم بالوصول إلى العالمية، ما قد يجعل مطالبتهم تنفيذ أعمال لا صلة لها بخصوصيتنا شرطاً من شروط المشاركة، لذا وجب المتابعة برقيب يعيد توازن الفكرة ويعدل كفة المضمون، دون تأثير على حداثة التنفيذ وإنما على الحفاظ على الهوية. قد يقول قائل مع أن قوله مردود عليه، أن لا قيد على حرية المبدع وأن خروجه من حدود الوطن ما يمنحه تلك الحرية، مع ثقتي أنها حرية وهمية افتراضية ليس لها مساحة على أرض الواقع ، وان وجدت تلك الحرية المصطنعة لكسب الشهرة تصفيقاً وإشادة تدفع الفنان للانغماس في الخطأ وتحقيق أهداف من يبحث عن مثلها تشفياً وليس إعجاباً، مؤكدين على أنّ الفنون التشكيلية السعودية تعيش حرية مطلقة منطلقة من ثقة المسئولين بالفنانين.
إن ما نعنيه من أهمية المتابعة يتحدّد في التمسك بثوابت مبادئنا وقيمنا، وهذه ليست قيوداً بقدر ما هي ضوابط ومقوّمات يصبح الفنان بها صاحب شخصية تمنحه صفة السفير الإبداعي لوطنه، بما تحمله أعماله الفنية من عمق أصالته التي يفتقر لها من يسعون لتعميم ثقافتهم، الخالية الوفاض، الفاقدة للمرجعية الثقافية والتاريخية والتراثية.
قد لا يكون هناك ما يخيف في ما سمعنا عنه من معارض في صالات داخل الوطن أو خارجه تجاوز من يقوم على تنظيمها التوجيهات الرسمية، بعدم مرروهم على لجنة إجازة الأعمال الفنية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام، وقد أكون مخطئاً بحكمي وعدم رضاي عن ما شاهدته يوماً من أعمال فنية سعودية خارج الوطن، لكنني أشتم فيها رائحة الانفلات.
monif.art@msn.comفنان تشكيلي