|
نفي - ضيف الله بن جهجاه:
على بعد أمتار قليلة من مدينة نفي والأحياء السكنية تقع ( نفي القديمة ) ببيوتها الطينية وعبق الماضي يفوح منها, وسط ذكريات الماضي الجميل و تاريخ الآباء والأجداد وسيرتهم العطرة , ولكن كل هذا التراث العريق مهدد بالاندثار مع عدم عناية الهيئة العامة للسياحة والآثار وعدم ضمها ضمن مشاريع الهيئة العامة للسياحة والآثار لتأهيل وترميم وتطوير المواقع التراثية, أسوة ببقية المدن والأحياء القديمة في أنحاء المملكة , وعن نفي القديمة وإعادة تطويرها وتأهيلها أجرى المهندس مسلط بن سلطان بن ربيعان دراسة تحليلية أكد من خلالها على أهمية إعادة تأهيل وتطوير « نفي القديمة « لإحياء جانب مهم من تاريخ وتراث المدينة وجعلها عنصراً جمالياً بدلاً من أن تكون عاملاً مشوهاً لها , وفيما يلي دراسة المهندس «مسلط بن ربيعان:
الهيكل العام للمدينة
تتكون المدينة من منطقتين رئيستين هما المخططات الجديدة شرقاً والمدينة القديمة غرباً يفصلهما شارع رئيسي يؤدي شمالاً إلى مدينة (الرس) وجنوباً إلى (مدينة البجادية) ويسمى هذا الطريق طريق الحجاز القصيم تقع منطقة المخططات الجديدة على ثلاثة محاور عبارة عن طرق رئيسية تتحكم في توجيه نمو المدينة. المحور الأول يتجه شرقاً لمدينة الدوادمي والمحور الثاني يتجه شمالاً إلى مدينة (الرس) أما المحور الثالث فيتجه جنوباً إلى مدينة البجادية.
استعمالات الأراضي في هذه المنطقة معظمهما تجاري وسكني حيث تكون الأنشطة التجارية بشكل مكثف على المحور الشمالي الجنوبي أما بالنسبة للاستعمالات السكنية القائمة حالياً فمعظمها يتركز في منطقة المحورين الشمالي الجنوبي والشرقي الغربي بالرغم من وجود مخططات سكنية أخرى معتمدة لم تنفذ في الجهتين الجنوبية والغربية أما بالنسبة لمنطقة (الديرة القديمة) فسوف أتحدث عنها بالتفصيل لأسباب عديدة وهي أنني أراها عنصراً مهماً يمكن أن يستفاد منه في إبراز شخصية المدينة بشكل عام.
الديرة القديمة
تقع الديرة القديمة على ضفاف وادي (شعيب نفي) وهو يحدها من الجهة الغربية الشمالية ويفصلها عن منطقة مزارع النخيل الكثيفة.
أما المباني في هذه المنطقة فهي عبارة عن بيوت طين نشأت على أكتاف ساكنيها تتكون هذه المنطقة من حارتين رئيستين تفصلهما مقبرة قديمة تسمى (مقبرة أهل نفي) المنطقة الأولى وهي الأقدم وهي الحارة الشمالية التي كانت محاطة بسور له بوابة واحدة لأسباب أمنية قبل توحيد المملكة وهذا السور عليه أربعة أبراج تستخدم للدفاعات الأمنية في الماضي ويسمى الباب الوحيد في الجهة الشمالية «باب البر» وتتميز مساكن الجهة الشمالية بصغر حجمها وضيق شوارعها مقارنة بالحارة الجنوبية التي كانوا يسمونها (الهجرة) التي يتشابك جزء منها بمساكن الحارة الشمالية من جهة الوادي.
يربط بين هاتين المنطقتين صفات عمرانية مشتركة وهي وجود المسجد في وسط كل منطقة والساحة التي تحيط بها دكاكين, التي لا توجد إلاّ في الحارة الشمالية.
تتميز مساكن الحارة الجنوبية (الهجرة) بوجود المربعات، وهي عبارة عن مباني مرتفعة تشبه القلعة فيها فتحات في أعلاها تستخدم للدفاعات الأمنية في الماضي ومن أشهر المربعات الموجودة مربعة ( عمر بن عبدالرحمن) ومربعة (بدر بن علوش) ومربعة (مسلط بن ذعار) ومربعة (تركي بن فيحان) ومربعة (أبناء تركي) وتوجد أمام المربعة أرض فضاء تسمى (الخاخ) وهي منطقة يتجمع فيها الضيوف القادمون للديرة.
أما الحارة الشمالية وهي الأقدم كما ذكرت فأهم ما يميزها الشوارع الضيقة وذلك الفراغ الذي فاض بعد إتمام تشييد المباني وليس الخط الذي تلتزم الإنشاءات والمباني بعدم الخروج عنه فمعظم الشوارع كما أسلفت ضيقة وملتوية ومتعرجة نذكر منها على سبيل المثال شارع (الدراوزة) الذي يعرفه أهالي نفي جيداً. كما أن هناك الأبراج القديمة المقامة في الحارة الشمالية مثل برج الدايخ وبرج السويلم وبرج العواد كما أن هناك بعض الشوارع المسدودة التي لا منفذها لها.
أما بالنسبة للمساجد فكانت نقطة التقاء للسكان ونشاطهم حيث يوجد بجوار كل مسجد بئر تسمى (المسقاة) تستخدم للوضوء وأغراض أخرى نذكر منها على سبيل المثال بئر (حليتين) يقول فيها الشاعر سعيدان والمعروف (بــ مطوع نفي) :
حليتين يا رافي خلول الجماعة
وان قلّت الخرجة رفاها حليتيني
أما الجانب المعماري في بيوت نفي القديمة فنجده واضحاً من خلال تلاصق البيوت ذات الفتحات القليلة على الشارع ومواد بناء هذه البيوت هي مواد محلية من الطين المخلوط بالتبن وقد شيدها أناس من أهل نفي كانوا يسمونهم (المعلمين) أمثال (علي ابن رشيد وعبدالله الهويمل يرحمهم الله).
ومعظم البيوت مستطيلة الشكل والأسقف مسطحة ومحاطة بجدار عال وغالباً يكون للمنازل أكثر من مدخل أحدهما للرجال والآخر للنساء أما باب المنزل يفتح على بهو يعرف عند بعضهم باسم (المجبب) بحيث يستحيل على من يقف بالشارع أن يرى من بالفناء الداخلي.
لقد تكيف أهالي نفي مع البيئة في مساكنهم القديمة من خلال استخدام الطين اللبن والخشب لأنهما المادتان المحليتان المستخدمتان كما أنهما يتسمان بأن قدرتهما على توصيل الحرارة العالية أو المنخفضة محدودة كما أن سماكة الجدران الطينية تمتاز بخصائص عزلها الطبيعي للحرارة.
أما فيما يتعلق بوضعية وتوجيه المنزل المستطيل الشكل نجد أن الطول عادة ما يسير من الشرق إلى الغرب والعرض يكون في اتجاه شمالي جنوبي وهذا يعني أن المنزل على هذا الشكل والوضع لا يمتص بالنهار إلاّ أدنى حد ممكن من الحرارة والجمع بين ميزتي توجيه المنزل وسماكة الجدران من شأنه أن يعمل على استبعاد معظم الحرارة نهاراً.
عناصر إعادة تأهيل نفي القديمة وبعض التوصيات
إن إعادة تأهيل نفي القديمة وتطويرها هو أمر ضروري وذلك لعدة أسباب منها:
إضافة عنصر قوي لمدينة نفي تبرز من خلاله ملامح المدينة الحديثة وشخصيتها، وإحياء جانب مهم من تاريخ البلدة وتراثها بالإضافة إلى ذكريات الأهالي.
وإعادة الحياة لتلك المنطقة القديمة وتزويدها بالأنشطة المختلفة يجعلانها مريحة من الناحية الأمنية، وتطوير المنطقة القديمة يجعلها عنصراً جمالياً للمدينة بدلاً من أن تكون عاملاً مشوهاً لها.إن جميع هذه الأسباب وغيرها تدفعني لأن أطالب المسؤولين في المدينة على أن يتبنوا المحافظة على هذه المنطقة وذلك من خلال إعادة تطوير بعض العناصر الموجودة مثل منطقة الوادي (شعيب نفي) وذلك بتنظيفه من قبل البلدية وتشجير جوانبه لاستخدامه كجلسات للعوائل لقضاء وقت الفراغ وإزالة المخلفات التي تُرمى به وتبنى إنشاء سد عليه للاستفادة من مياه الأمطار وإضافة إلى ذلك يوجد عنصر آخر مهم لأحياء المنطقة القديمة ومنطقة الوادي وهو مسجد العيد القديم الذي كان في وسط الوادي حيث إنه بالإمكان إعادة استخدامه من جديد وذلك لنظافة تربته وهذا المشروع لا يحتاج سوى سفلتة جانب من الوادي كمواقف للسيارات ومياه السيول كافية لتنظيفه كما كان عليه في السابق وأيضاً هناك الشوارع الداخلية التي تحتاج إلى عناية ونظافة وتشجيع الأهالي وتحفيزهم على إعادة بناء بيوتهم المتهدمة من خلال تأجيرها للعمال أو الاستفادة منها بشكل أو بآخر.