لم يكن تصريح وزير الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والدعوة، والإرشاد معالي الشيخ صالح آل الشيخ، عندما دشن معرض «كن داعياً» قبل أيام في مدينة عرعر، بأن: «الوزارة تسعى، وفي شكل مستمر إلى متابعة خطط الدولة، وغرس مبادئها في الحرب على الإرهاب، وتعزيز الأمن الفكري»، سوى إظهار الصورة الصحيحة لمنهج الاعتدال، والوسطية، وتطبيقاته عبر المنهج الاستردادي، والمنهج التاريخي. والتأكيد على أن الإسلام دين وسطية، واعتدال، هو جزء من إستراتيجية شاملة؛ لمحاربة الإرهاب، قامت عليه هذه الحملة. وهو المنهج الأصوب، والعود الأصلب، من خلال رؤى إستراتيجية، تخطط للمستقبل، وتستشرف آفاقه.
إن أبرز ما يلفت النظر، ويستوجب التأمل في نقد خطاب التطرف، والعنف، أنه قائم على فكرة مغلوطة. ولذا فإن مواجهة مثل هذا الخطاب، ينبغي أن ينطلق من أرضية معاكسة، تهتم بتوجيه المعاني الحقيقية، من خلال نصوص شرعية واضحة؛ لتقضي على النزعات القوية من التطرف، والتشدد، وعلى روافده المختلفة. وتعرية مستوى خطابه الفكري، والمعرفي، وضحالة بنيته، كـ «تكفيره الأنظمة، والمجتمعات، واستباحة الأموال، والدماء».
ولأننا نعيش اليوم انفتاحا معلوماتيا، وتقنيات حديثة، لها آثارها الخطيرة على شبابنا، فقد أحصت أجهزة الاستخبارات في المملكة، أكثر من 17000 موقع مشبوه على شبكة الإنترنت، تبث الفتن، والضلالات؛ لبرمجة الشباب، وجعله أداة جاهزة في أيدي أصحاب المشاريع التكفيرية. بل لا زالت بعض الأطروحات في تلك المواقع، تعمل عكس الاتجاه، مما يجعل المسؤولية في درء الفكر المنحرف، مشاعة بين شرائح المجتمع.
كتبت مرة بعد مرة، أن ما يحدث اليوم، لم يكن سوى مقدمة، لما هو أكبر، وأعقد من تنظيم القاعدة، والإرهاب. فلتلك الدول طموح قديم، في فرض أجندتها وفق إستراتيجية شاملة، تتداخل فيها عوامل عدة، من أهمها: إعادة تشكيل خارطة التوازنات، والتحالفات الإقليمية في المنطقة. مما يستدعي قراءة المشهد قراءة واعية، والتعاطي مع الأزمة بإيجابية فاعلة، والتحرك؛ لكبح جماح تمدد تلك الدول، قبل أن نفيق على واقع مؤلم.
إن ظاهرة التكفير ظاهرة لها رموزها، وبيئتها العلمية والفكرية والفلسفية، وما تحاكيه من متغيرات ونوازل حلت بساحتها، كاتباعها الهوى، واعتساف النصوص، ونزعة الأنا المقدمة على الحق وفق منهجية خاطئة، بعيدة عن ضوابط الشرع. فالانحراف الفكري، هو: انحراف عن الوسطية إلى الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير. ومواجهتها يستلزم تضافر المعالجة الفكرية مع المعالجة الأمنية، و تكاتف الجهود لاستئصال الفكر التفكيري، من خلال إبراز الفكر المعتدل بالحوار والحكمة والعقل والمنطق. إضافة إلى ضرورة ضبط الفتوى المتعلقة بدعم الأفكار الضالة، ومناقشتها والرد عليها. حتى لا نقع في تطرف مضاد، لنستطيع أن نقلل من معتنقي الفكر التفكيري، وعزلهم في زاوية ضيقة. ففي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.
بقي أن يقال: إن الأمن جزء لا يتجزأ، وهو منظومة متناغمة الأجزاء، متساوية الأنحاء. ولن يتحقق الأمن المحسوس دون تحقيق الأمن الفكري، الذي يُمثل ركيزة مهمة؛ لحماية المكتسبات عبر حفظ الدين، والنفس، والمال، والعقل، والعرض؛ ولأننا واجهنا رصيدا فكريا، ومخزونا ثقافيا، أفرز عملا إجراميا، وسلوكا عدوانيا، فإن دور العلماء يبقى أحد أهم المؤسسات الرافدة في القيام بتحصين العقول، ووقايتها من أصول الانحرافات الفكرية.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية