|
الجزيرة - علي سالم العنزي:
شهدت السياسة الخارجية للمملكة أدواراً بارزة تجسدت في أهداف متميزة لحفظ دماء الشعوب وتوحيد قلوب المتنافرين من القياديين والسياسيين، وقد اتخذت المملكة العديد من المواقف الإيجابية واستطاعت رعايتها وأنجحت تلك المبادرات. وحرصت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- على الاضطلاع بدور فعال في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي إطار التعاون الثنائي وذلك بهدف تعزيز التعاون وتنسيق الجهود لحفظ الأمن والاستقرار, وخدمة مصالح جميع الدول الأعضاء.
كما تعمل المملكة في كل وقت على دعم التضامن الإسلامي ووحدة الصف العربي, وتعميق الروابط الأخوية القائمة بين الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية، كما أسهمت جهود الملك عبدالله -حفظه الله-, في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي والدولي وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله.. وهنا نستعرض جزءاً من جهود المملكة على المستوى الدولي لإرساء الأمن والأمان بين الشعوب وبين شعب البلد الواحد.
جهود خادم الحرمين في حوار الأديان
توجت جهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في التأسيس لحوار عالمي بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوة خادم الحرمين الشريفين للجمعية عقد اجتماع عالي المستوى للحوار بين أتباع الديانات وفقاً لما تضمنه إعلان مدريد الصادر عن المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والثقافات الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مدريد خلال المدة من 13 إلى 15-7-1429 الموافق 16 إلى 18 يوليو 2008 بدعوة ورعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في 11 شوال 1429 الموافق 11 أكتوبر 2008 أنها ستعقد اجتماعاً رفيع المستوى في الفترة من 12 إلى 13 من نوفمبر القادم للحوار بين أتباع الأديان وذلك بناء على طلب وجهه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل باسم خادم الحرمين الشريفين وباسم المجموعة العربية خلال كلمة المملكة التي ألقاها سموه في الدورة الـ63 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان المؤتمر العالمي للحوار قد أوصى في إعلان مدريد بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات من خلال عقد دورة خاصة للحوار.
وعبر المشاركون في المؤتمر عن الأمل في أن يبذل خادم الحرمين الشريفين مساعيه في عقدها في أقرب فرصة ممكنة. وبهذا الإنجاز التاريخي سجل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اسمه بأحرف من نور في التاريخ المعاصر كونه واحداً من أبرز دعاة السلام والحوار.
فخادم الحرمين الشريفين يدرك ما تعانيه الإنسانية من مشكلات, ومتاعب في المجال الأخلاقي, وفي مجال الأسرة, وفي مجال الابتعاد عن الدين وفي مجال الصراع بين الشعوب والمجتمعات والحضارات, ومن هنا اهتم رعاه الله بقضية الحوار. ويأتي اجتماع الأمم المتحدة عالي المستوى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات ليجسد آمال وتطلعات خادم الحرمين الشريفين ومسعاه النبيل والرائد لتحقيق التفاهم والتعاون بين الأمم التي تجتمع على مبادئ كبرى وتشترك في قيم عظمى. وخلال السنوات الماضية ظل خادم الحرمين يدعو في مناسبات عدة ومنابر متنوعة إلى إحلال السلام محل النزاعات والصراعات, واتخاذ الحوار منهجاً لتقريب المسافات بين أتباع الرسالات الإلهية والثقافات والحضارات.
جهود المملكة ضد الإرهاب
أيدت المملكة كافة قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بمحاربة الإرهاب وتعاونت مع المجتمع الدولي لمحاربته, وكانت من أوائل الدول العربية الموقعة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عن جامعة الدول العربية عام 1983م. وبحكم معاناة المملكة من الإرهاب, أعلنت حرباً عليه لا هوادة فيها وسنت الأنظمة, وتعقبت كل مرتكب ومحرض عليه, وسعت لتقديمهم للعدالة لمحاكمتهم.
إن الجهد الدولي المبذول لمكافحة الإرهاب مهما بلغت فاعليته لن يتمكن من إزالة هذه الظاهرة إذا جرى التعامل معها دون النظر إلى جذورها ومسبباتها, كما أن استمرار الأوضاع المتردية للشعوب المقهورة, أو الواقعة تحت الاحتلال, وتقاعس المجتمع الدولي تحت أي ظرف عن إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشاكل هو ما يوفر المناخ الذي يستغله ذو النوايا الشريرة والخبيثة في التغرير بالشباب للعمل تحت مظلة الإرهاب. وينطلق موقف المملكة تجاه الحرب على الإرهاب من خلال الأسس والمبادئ التي تقرها الشريعة الإسلامية وأحكام القانون الدولي ومبادئه, كما تنطلق من التراث الإنساني والأخلاقي للأمة العربية. وقد استضافة المملكة المجتمع الدولي في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب والذي عقد في مدينة الرياض خلال الفترة 25-28-1425هـ 5-8-2005م. في وقت كان المجتمع الدولي في أمس الحاجة لعقد مثل هذا المؤتمر لمكافحة الإرهاب. وقد حقق هذا المؤتمر بإجماع دولي نجاحاً باهراً يعود الفضل فيه لحكومة المملكة, وأعلن المشاركون فيه بصوت واحد أن الإرهاب لا دين ولا دوله له, والتأكيد على تعاون المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب. كما دعمت الدول المشاركة في المؤتمر اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود, الوارد في خطابه -حفظه الله- في جلسة افتتاح المؤتمر, بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وقد شكلت تلك الدول عمل لبلورة هذا الاقتراح.
جهود المملكة لتوحيد الفلسطينيين
أبرمت قيادات فتح وحماس الخميس 8 فبراير 2007 في مكة المكرمة اتفاقاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية ويضع حدا لإراقة الدماء بين الجانبين، كما ينص على السعي على تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية. وكان ذلك الاتفاق بناءً على دعوة من خادم الحرمين الشريفين للم الشمل الفلسطيني وتوحيد صفهم لمواصلة مسيرتهم في المجتمع الدولي يداً واحده، وكان نص الاتفاق التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} صدق الله العظيم.
بناء على المبادرة الكريمة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، وتحت الرعاية الكريمة، جرت في مكة المكرمة، بين حركتي فتح وحماس، في الفترة من 19-21 محرم 1428 هجريا الموافق لـ 6-8 فبراير 2007، حوارات الوفاق والاتفاق الوطني، وقد تكللت هذه الحوارات بفضل الله سبحانه وتعالى بالنجاح، حيث جرى الاتفاق على ما يلي:
أولاً: التأكيد على حرمة الدم الفلسطيني واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون ذلك، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار كأساس وحيد لحل الخلافات السياسية في الساحة الفلسطينية. وفي هذا الإطار نقدم الشكر الجزيل للإخوة في مصر الشقيقة والوفد الأمني المصري في غزة الذين بذلوا جهوداً كبيرة في تهدئة الأوضاع في قطاع غزة في الفترة السابقة.
ثانيًا: الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتكريسها.
ثالثًا: المضي قدمًا في إجراءات تطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتسريع عمل اللجنة التحضيرية استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق. وقد جرى الاتفاق على خطوات تفصيلية بين الطرفين بهذا الخصوص.
رابعًا: تأكيد مبدأ الشراكة السياسية على أساس القوانين المعمول بها في السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى قاعدة التعددية السياسية وفق اتفاق معتمد بين الطرفين. إننا إذ نزف هذا الاتفاق إلى جماهيرنا الفلسطينية وجماهير أمتنا العربية والإسلامية وكل الأصدقاء في العالم، فإننا نؤكد التزامنا بهذا الاتفاق نصاً وروحاً، من أجل التفرغ لإنجاز أهدافنا الوطنية، والتخلص من الاحتلال واستعادة حقوقنا والتفرغ للملفات الأساسية، وفي مقدمتها قضية القدس والمسجد الأقصى وقضية الأسرى والمعتقلين ومواجهة الجدار والاستيطان.
والله الموفق.
موقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية
تسعى المملكة وبشكل مستمر إلى إحياء مسيرة السلام لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي الذي يعد أقدم الصراعات الدولية في العصر الحديث، والذي يؤثر استمراره سلبياً في فرص التوصل إلى حلول ناجعة لبقية الأزمات. وأن إحياء مسيرة السلام يتطلب تعاوناً جاداً من أجل تحقيق الحل القائم على دولتين، وإيجاد آلية فعالة تفل الدخول مباشرةً في مفاوضات سلمية تبحث قضايا الوضع النهائي، والتي تشمل القدس والحدود واللاجئين والترتيبات الأمنية المتبادلة.
وانطلاقاً من هذه القناعة تقدمت المملكة بمبادرة للسلام أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002م باسم «المبادرة العربية للسلام» والتي تمثل التزاماً عربياً جماعياً بتحقيق تسوية سلمية للنزاع العربي الإسرائيلي يتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967م وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف وإيجاد حل يتفق علية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وتم تشكيل لجنة عربية تعني بمتابعة تبني مجلس الأمن والجمعية العامة هذه المبادرة باعتبارها مرجعية أساسية من مرجعيات العملية السلمية، ومع مرور الوقت تثبت الأحداث جدية ومصداقية هذه المبادرة وتلبيتها لمتطلبات الحل العادل للقضية برمتها.
جهود المملكة لاستقرار لبنان
أتت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد القمة الثلاثية في لبنان، والتي كانت قد جمعت الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان، تحقيقا للسعي المتواصل من جانب المملكة لدعم جهود المصالحة الوطنية اللبنانية، ودرء أية محاولة لجر البلاد إلى أتون حرب أهلية، وسد الفخاخ التي تزرعها إسرائيل لزعزعة الأمن والاستقرار في لبنان.
ومن ثم، فإن هذه القمة الثلاثية تهدف في جوانبها الأشمل، إلى العمل على تحقيق المصالحات العربية وتوحيد الصف العربي في مواجهة الأزمات التي تخلقها إسرائيل في المنطقة، وهو ما اتضح في جهود خادم الحرمين الشريفين في تحقيق التشاور والتنسيق العربي مع القاهرة ودمشق وعمان.
وفي جانبها العملي، فإن هذه القمة تركز على تحقيق الوئام بين أطراف العمل السياسي اللبناني بوأد أجواء الصراع وفتح أجواء التهدئة، وهو ما نجزم أن القمة الثلاثية قد نجحت في تحقيقه. ولا شك أن الدور الذي قام به الملك عبد الله يعد دوراً فاعلاً في هذه القمة، ويترجم الدعم السعودي المتواصل والرامي إلى تعزيز الاستقرار في الأراضي اللبنانية، وذلك منذ الجهود التي بذلت منذ اتفاق الدوحة في عام 2008، لاستقرار لبنان وأمنه وأمن المنطقة العربية على نحو عام.
ويتوافق الدور الذي اضطلع به الملك عبد الله في القمة الثلاثية، ويتكامل أيضا مع جهود المملكة لاستمرار عملية السلام.
ولعل استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان، من شأنه أن يصب في مصلحة مفاوضات السلام التي ستجري، خاصة وأن المملكة تعد شريكاً جوهرياً للسلام والاستقرار في المنطقة، عبر مبادرة السلام العربية.
وهذه القمة أبرزت دور الرعاية العربية لقضايا لبنان وتأكيد المساندة العربية له سياسياً وأمنياً.
وأكدت القمة أهمية دعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني، والالتزام بعدم اللجوء إلى العنف، وتغليب مصلحة لبنان العليا على أية مصلحة فئوية أو فردية، والاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات.
دعم المملكة لوحدة الصف العراقي
كما شهدت مكة المكرمة وبالجوار من بيت الله الحرام لقاء ضم كبار القيادات الدينية السنية والشيعية في العراق، وذلك بمبادرة من منظمة المؤتمر الإسلامي ممثلة في مجمع الفقه الإسلامي ودعم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث تم خلال اللقاء التوقيع على نص وثيقة مكة المكرمة التي تستهدف حقن دماء المسلمين في العراق وما يتبع ذلك من اقتتال طائفي وترويع للآمنين وتدمير وتشريد.
جهود المملكة لإنقاذ اليمن
وفي الأزمة اليمنية، وبحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السابق «علي عبدالله صالح» رئيس الجمهورية اليمنية الشقيقة جرى التوقيع على المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية من قبل الحكومة اليمنية وأحزاب اللقاء المشترك، ووقع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح المبادرة الخليجية لنقل السلطة في اليمن، بحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي ألقى كلمة بتلك المناسبة حينها، قال فيها: «اليوم تبدأ صفحة جديدة من تاريخكم تحتاج منكم اليقظة، وإدراك المصالح، وتحديد الأهداف، فالحرية بكل أشكالها لا يمكن لها أن تستقيم دون المسؤولية». إن ما تم استعراضه ما هو إلا جزء من جهود خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الدائمة من أجل إيجاد اتفاقيات ومصالحات بين الشعوب أنفسها أو بين الشعوب وقادتها أو بين الدول أو بين الثقافات المختلفة والأفكار المتنافرة وذلك إحساساً منه بأهمية السلام وضرورة أن يعم العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع.