|
يصادف اليوم الاثنين 26 جمادى الآخرة 1434هـ الذكرى الثامنة لتسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- مسؤوليات الحكم في المملكة العربية السعودية. هذه السنوات التي مضت اتسمت بعدد من الملامح الرئيسة التي يدركها الجميع سواء داخل المملكة أو خارجها. لقد اتخذ -حفظه الله- عدداً من الخطوات المهمة لتدعيم الحكم وتقوية أواصره وتماسكه وإبعاده عن الثغرات والإجراءات التي قد تمس بكيانه أو تهد من عضده. أهمَّ هذه الإجراءات هو إنشاء نظام البيعة الذي حدد مسار الحكم، بحيث يتم اختيار من هو مؤهل وقادر ومجرب وممارس للحكم والإدارة مع اعتبار التسلسل في أبناء الملك المؤسس، وعدم إهمال السن في ذلك، كما جرى اتباع ذلك الأسلوب في اختيار عدد من الأمراء لمناصب وزارية وقيادية بغض النظر عن التسلسل العمري. هذا التبديل لم يكن بسبب أخطاء أو سوء إدارة، بل كان الهدف تجديد الدماء وخلق قيادات جديدة من الأمراء وبالذات ما يمكن أن يطلق عليه بالصف الثالث من الأسرة الحاكمة.
والسمة البارزة الثانية في هذا العهد الزاهر هو إشراك المرأة السعودية، وهي نصف المجتمع، في تصريف شؤونه والمشاركة في اتخاذ قراراته في عدد من المجالات التي كانت غير متاحة للمرأة، إذ منح حفظه الله للمرأة حق انتخاب أعضاء المجالس البلدية، وعين حفظه الله عدداً منهن عضوات في مجلس الشورى في دورته الحالية. وهذه خطوة كبيرة دعمت مكانة المملكة بين دول العالم في المحافل الدولية، وأتاحت للمرأة السعودية المؤهلة وضع خبراتها وتجاربها في خدمة مجتمعها.
السمة الثالثة المهمة التي اتصف بها حكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله- هو ارتفاع رقم ميزانية المصروفات وتعدد المشروعات المهمة التي نفذت خاصة في مجالات توسعة الحرمين الشريفين، إذ تم مضاعفة مساحة المسجد الحرام، وتوسعة المسعى والمطاف والمناطق المحيطة، وكذا نزع الملكيات لتوسعة الحرم النبوي بما يضاعف حجم المسجد. هذه التوسعة سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور، بالإضافة إلى مشروعات القطارات والتي اشتملت على قطار الحرمين الشريفين الذي سهل عملية التنقل لضيوف الرحمن بين المشاعر المقدسة، والقطار الذي سيربط شرق المملكة بغربها وبشمالها، والذي سوف يكون له تأثير كبير على حركة السكان بين المناطق والمدن، وتسويق البضائع والمنتجات الزراعية والصناعية، كما سيخفف الضغط على المدن، ويساعد في إزالة الازدحامات. مشروعات التعليم بلغت عشرة في المائة من ميزانية الدولة التي بلغت 829 مليار، فتوسعت الجامعات القائمة في كل المجالات، وأنشئ العديد من الجامعات في المحافظات، وركزت الجامعات على البحث العلمي الذي سوف يفيد في تحقيق السبق المعرفي للمملكة. كما أن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للابتعاث الخارجي قد فتح مجالات واسعة للعديد من أبنائنا وبناتنا للنهل من علوم جامعات وأساتذة الشرق والغرب والشمال والجنوب، وقد وصل العدد إلى ما يزيد على مائة وثمانية وأربعين ألف مبتعث، وتخرج منه حتى الآن 47000 متخرج ومتخرجة. كما قامت وزارة التربية والتعليم بتنفيذ العديد من المشروعات منها إنشاء مدارس جديدة، وترميم القديم، وتغيير المناهج، وتدريب المدرسين وتأهيلهم وغير ذلك. ساهمت هذه المشروعات وستساهم في تحسين مخرجات التعليم، وتهيئة الأجواء العلمية والتربوية للطلبة والطالبات، وقد كان نصيب المحافظات من تلك المشروعات نصيب الأسد في المباني والإنشاءات والوظائف والاعتمادات. والشؤون الصحية لم تكن غائبة عن ميزانية الخير، إذ بلغت ميزانيتها عشرات مليارات، في حين كانت ميزانية تلك الوزارة لا تتعدى نصف هذا المبلغ، وقد أتاحت تلك الميزانية إنشاء عشرات المستشفيات، وتأثيث وتجهيز أخرى بالإضافة إلى المستوصفات والمراكز الصحية وغير ذلك. الطرق سواء كانت داخل المدن أو خارجها كان لها نصيب وفير من تلك الميزانيات الضخمة، إذ لمس المواطن والمقيم إنشاء العديد من اطرق السريعة التي تربط بين مناطق المملكة، وتوسعة الطرق داخل المدن. وقد ذكر أنه تم اعتماد ستين ملياراً للنقل العام بالرياض، وهو مبلغ كبير في حجمه وسوف يكون له تأثير كبير في حياة سكان العاصمة. الأمانات والبلديات ومصالح المياه والصرف الصحي استحوذت على نصيب جديد من منجزات خادم الحرمين الشريفين، وقد استطاعت هذه المبالغ تغيير معالم كثير من مدن وبلدان وقرى المملكة بالطرق، والإنارة، والحدائق، والمنتزهات، والممرات، وتصريف المياه، والأمطار والسيول وغير ذلك.
والحديث يطول عن منجزات الثماني السنوات، وحصرها يحتاج إلى عدد من الكتب وليس مقالة في جريدة، ولكن ولعل أحدث تلك المشروعات ما تناقلته وكالات الأنباء عن صدور الأوامر الملكية الكريمة بأن تسلم مشاريع الإسكان من منح وأراضي ومخصصات إلى وزارة الإسكان، لكي تتولى تهيئة أراضي الإسكان وتزويدها بالخدمات اللازمة من طرق وكهرباء ومياه ومجار وشبكات اتصالات وخدمات عامة مثل المباني الإدارية والمدارس والمستشفيات والمستوصفات وكل ما يلزم لها، إما من اعتمادات الوزارات المعنية أو من وزارة الإسكان نفسها، ومن ثم بنائها وتسليمها جاهزة للسكنى للمواطن. وكانت الأمور قبل هذه الأوامر متنازع عليها بين البلديات والإسكان والجهات الخدمية الأخرى. والمأمول من وزارة الإسكان وقد أنيط بها الأمر أن تنشئ مدناً سكنية جديدة خارج المدن التي اكتظت بالسكان وتوفر لها كل الخدمات.
ولا أنسى في هذه العجالة أن أشير إلى حرص سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- على عدم دخول الدولة في نفق الدين والقروض، وقد ترجمت هذه الرغبة حرصه على تخفيض دين المملكة الذي بلغ عام 2003م مبلغ 660 مليار ريال إلى 99 مليار ريال هذا العام، وهو تخفيض كبير له مدلولاته وآثاره الإيجابية حاضراً ومستقبلاً.
ختاماً أهنئ سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني الأمير مقرن بن عبد العزيز بهذه المناسبة السعيدة، وبهذه المنجزات الضخمة التاريخية التي سيكتبها التاريخ بمداد من زمن، وسيحفرها الزمن في ذاكرة مواطن ومفكر وباحث. كما أهنئ كل مواطن بهذه المنجزات وبهذا العهد الزاهر.
ابتهل إلى العلي القدير أن يمد في عمر سيدي الملك عبد الله وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز والنائب الثاني الأمير مقرن بن عبد العزيز وأن يمنحهم الصحة والعافية والسداد والتوفيق، وأن يديم على مملكتنا الحبيبة وشعبها الأبي نعمة الصحة والعافية والأمن والأمان والاستقرار والرخاء، والحمد لله على ما أنعم به علينا.
وكيل الحرس الوطني وعضو مجلس الشورى سابقاً